السعادة قريبة جدًا منك

السعادة قريبة جدًا منك

لا يوجد أكثر روعة ودهشة من قراءة وتأمل القصص والحكايات، سواء كانت للأشخاص أو المجتمعات، فهي من أجمل وأمتع الطرق والأساليب التي يستخدمها البشر للوصول إلى الأهداف والغايات بشكل مباشر وواضح. وقد يستغرق الواحد منا الكثير من الوقت ويستهلك الكثير من الجهد لإقناع الآخرين بأفكاره وآرائه، مستخدماً الحجج والبراهين ومتسلحاً بالمعرفة والثقافة، ولكنه يُصاب بخيبة أمل وحزن شديد لعدم نجاحه في ذلك، ولكنه بمجرد أن يسرد حكاية متعلقة بفكرته التي لم تُسعفها كل تلك المعلومات والحجج، حتى تنجذب إليه العقول والقلوب، وتبدأ حلقات مسلسل الإقناع والرضا على مسامع ومشاعر المتحلّقين حول تلك الحكاية الجميلة.

من منا لم يبحث ويسأل عن السعادة، تلك الحالة العصية التي نتوق لها دون أن نعيشها، بل ولا نعرف كيف ومتى نفوز بحصة منها. قصة السائح والصياد التي ستقرؤها بقلبك وتسمعها بعينك، قد تدلك على طريق السعادة أو قد تمنحك شيئاً منها:

‏‎ “جلس رجل أعمال أميركي في العقد السابع من عمره في بيته الريفي المطل على أحد الأنهار المكسيكية مستمتعاً بالمناظر الخلابة والأجواء النقية، وأثناء استرخائه شاهد قارباً متواضعاً نزل منه صياد مكسيكي بسيط يحمل سلة من الخوص فيها كمية قليلة من السمك. نادى الأميركي الثري ذلك الصياد المكسيكي وأبدى له إعجابه بالسمك الذي اصطاده ثم سأله: كم تحتاج من الوقت لتصطاد مثل هذه الكمية من السمك؟ أجاب الصياد: القليل من الوقت يا سيدي. فسأله ثانية: لماذا لا تقضي وقتاً أطول في الصيد لتحصل على كمية أكبر؟ فرد الصياد: ما أصطاده يكفي حاجتي ومتطلبات أسرتي. فبادره رجل الأعمال الأميركي: ولكن ماذا تفعل في ما تبقى من وقتك الطويل؟ في النهار أرتاح وألعب مع أطفالي وأساعد زوجتي، وفي الليل أتجول مع أصدقائي في القرية ونتسامر حتى منتصف الليل وأنام متأخراً وأستيقظ متى ما شئت، هكذا رد الصياد. هز الأميركي الثري رأسه ساخراً من كلام الصياد المكسيكي البسيط، ثم قال له: سأخبرك بنصيحة ثمينة وهي: يجب أن تتفرغ أكثر للصيد لتزداد كمية السمك التي تصطادها، لتجمع الكثير من المال وتشتري الكثير من سفن الصيد الكبيرة بدل هذا القارب الصغير، وتجد نفسك بعد فترة من الزمن تملك أسطولاً بحرياً كبيراً، وبدلاً من ضياع الوقت والجهد في بيع السمك مباشرة للناس ستبيعه فقط للموزعين الكبار، وبعد ذلك تُنشئ عدة مصانع للحفظ والتعليب والتسويق، وتُصبح مليونيراً، وتنتقل للعاصمة مكسيكو سيتي ومنها لأميركا. سكت الصياد المكسيكي قليلاً ثم سأل العجوز الأميركي: ولكن كم من الوقت سأحتاج لأحقق كل ذلك؟، رد العجوز: من 15 إلى 20 عاماً فقط. فقال الصياد: وماذا سأفعل بعد ذلك؟ فضحك العجوز وقال: هنا نأتي للجزء الأفضل، ستستقيل بالطبع وتستمتع بما تبقى لك من العمر، وبالمال الذي جمعته ستشتري لك بيتاً صغيراً يطل على النهر في قرية صيد صغيرة، تستمتع فيه مع زوجتك وأبنائك وتخرج ليلاً لتتسامر مع أصدقائك وكذلك تستطيع النوم لفترات أطول وتستيقظ متى ما شئت. فقال الصياد البسيط في دهشة: هل تعني أن أقضي 20 عاماً من عمري في كل ذلك التعب والإرهاق والعمل المتواصل والحرمان من زوجتي وأبنائي والاستمتاع بصحتي لأصل في نهاية الأمر إلى ما أنا عليه الآن!؟”

قد تكون السعادة على بعد خطوات من الرضا والقناعة ولكننا نحن البشر نتعلّق دائماً بذلك السراب البعيد الذي نظنه نهر السعادة.

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *