ما السبب وراء استمرار بريطانيا في مواجهة تضخم مرتفع؟

ما السبب وراء استمرار بريطانيا في مواجهة تضخم مرتفع؟

رغم تراجع موجة التضخم التي اجتاحت العالم بعد جائحة كورونا، لا تزال المملكة المتحدة عالقة في أعلى مستويات ارتفاع الأسعار بين الاقتصادات الغربية الكبرى، فرغم أن التضخم انخفض كثيراً مقارنة بذروته البالغة 11.1% في أواخر عام 2022، إلا أنه عاد إلى الارتفاع مجدداً، حيث سجل 3.8% في يوليو 2025، ويتوقع بنك إنجلترا أن يصل إلى 4% في سبتمبر، أي ضعف هدفه المحدد عند 2%.

ترتبط موجة التضخم الحالية في بريطانيا بعدة عوامل متشابكة:

أسعار الطاقة والغذاء

ارتفعت فواتير الطاقة المنزلية مجدداً، كما ساهمت الزيادة في أسعار الغذاء في دفع التضخم للأعلى، بريطانيا تعتمد بشكل كبير على الغاز المستورد، وأسعاره لا تزال مرتفعة منذ أزمة أوكرانيا، ما يرفع تكلفة الكهرباء نظراً لنظام التسعير القائم على أغلى مصدر طاقة.

نقص العمالة وارتفاع الأجور: بعد الجائحة، شهد سوق العمل نقصاً في الأيدي العاملة، ما دفع الأجور إلى الارتفاع، رغم أن الزيادات بدأت تهدأ، إلا أن متوسط الرواتب لا يزال ينمو بنسبة 5%، وهو أعلى من المعدل المناسب للحفاظ على تضخم مستقر.

السياسات الحكومية

رفعت الحكومة الأجر الوطني المعيشي بنسبة كبيرة خلال السنوات الثلاث الماضية، كما فرضت ضريبة جديدة على الأجور في أبريل 2025 بقيمة 26 مليار جنيه إسترليني، ما دفع كثيراً من الشركات إلى تحميل هذه التكاليف للمستهلكين.

خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي (بريكست)

تشير دراسات إلى أن بريكست ساهم في زيادة أسعار الغذاء عبر رفع تكاليف الاستيراد، ما أضاف نحو 7 مليارات جنيه لفواتير التسوق، كما أن الحواجز التجارية الجديدة تجعل السوق البريطانية أكثر عرضة لارتفاع الأسعار.

ضعف الإنتاجية

تعاني بريطانيا من ضعف مزمن في الإنتاجية مقارنة بدول مثل ألمانيا وفرنسا وأميركا، فالإنتاج لكل عامل انخفض بنسبة 1% في الربع الثاني من 2025 مقارنة بالعام السابق، ما يعني تكلفة أعلى لإنتاج السلع والخدمات.

لماذا يهم هذا التضخم؟

ارتفاع الأسعار يضغط على القدرة الشرائية للمواطنين، خصوصاً أصحاب الدخل المحدود الذين ينفقون الجزء الأكبر من دخلهم على الضرورات مثل الغذاء والطاقة، ومنذ بداية الجائحة، ارتفعت أسعار المواد الغذائية بنحو 40%.

كذلك، تختلف بريطانيا عن دول مثل الولايات المتحدة وألمانيا في أن المواطنين يجددون قروضهم العقارية بوتيرة أسرع، ما يعني أنهم يشعرون بسرعة بتأثير رفع أسعار الفائدة التي يفرضها بنك إنجلترا لكبح التضخم.

رغم خفض الفائدة مؤخراً إلى 4% من ذروتها عند 5.25%، فإن وتيرة التراجع أبطأ بكثير مما يحدث في منطقة اليورو، حيث تم خفض الفائدة إلى 2%.

هل سينخفض التضخم قريباً؟

من المتوقع أن تعود الأسعار إلى الاستقرار التدريجي، مع بوادر تهدئة في سوق العمل وتباطؤ نمو الأجور، كما أن بعض الارتفاعات المؤقتة، مثل أسعار تذاكر الطيران والفنادق، قد تتراجع لاحقاً.

يتوقع بنك إنجلترا أن ينخفض التضخم إلى 2% بحلول أوائل عام 2026، لكن ارتفاع الأسعار الحالي يثير القلق، خاصة إذا طال أمده.

ماذا عن أسعار الفائدة؟

لا يقدم البنك المركزي تقديراً رسمياً للفائدة النهائية التي ستستقر عندها السوق، لكن معظم الاقتصاديين يرجحون أن تكون ما بين 3% و3.5%.
رغم توقعات بخفض جديد في نوفمبر إلى 3.75%، إلا أن أي تأخر في تراجع التضخم قد يدفع البنك لتأجيل القرار.

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *