
حسن اليمني
لا تكفي الإدانات إن لم يتبعها عمل جاد لتفتيت ما استوجب الإدانة والاستنكار، وحين تُصبح بيانات الإدانة هي الفعل العربي فإن الفعل الإسرائيلي -وهو فعل حقيقي- يُصبح حقيقة فعلية بأكبر صور التحدي وتكون الإدانة العربية في المقابل فعل لفظي في أقصى درجات الانهزام والضعف.
لم تكن إدانة الأفعال البريطانية في فلسطين قبل ثمانين سنة حين منعت العرب في فلسطين من السلاح وسهلت للعصابات الصهيونية التوريد وبناء الفرق العسكرية الإرهابية للهجوم على القرى والمزارع الفلسطينية ثم وصل إلى احتلال المدن وتهجير أهل البلاد من ديارهم بالعمليات الإرهابية على مسمع ومرأى الوجود البريطاني الذي كان رئيس الوزراء ووزير الخارجية البريطاني قد أعلن عام 1917م في رسالة إلى (ليونيل والتر دي روتشيلد) الملياردير اليهودي عن وعد لليهود بإنشاء وطن قومي لهم في فلسطين، ولم تكن الإدانة لهذا الفعل عائقة أو ذات قيمة يمكن أن تمنع أو تحول دون تحقيق الوعد الذي تم عام 1948م واستمر العدوان وقضم مزيد من الأرض وتهجير السكان وجرائم الإبادة حتى اليوم بما يعني أن الإدانة والاستنكار والشجب تبدو وكأنها فعل إيجابي بصيغة «سمعنا وعلمنا بنواياكم ولا حيلة لنا في الأمر شيئا» وربما لهذا لا أحد يهتم بالفعل العربي المستمر بالإدانة والشجب والاستنكار باعتبارها إعلانا نهائيا لعاجز عن الفعل ويصبح أمر إسرائيل الكبرى أمراً حتمياً قادماً.
إسرائيل الكبرى لم تكن وليدة تصريح من نتنياهو بعد 77 عاماً من قيام الكيان المحتل كدولة على أرض فلسطين العربية، بل إن خارطة هذه الكبرى مرسومة على صدر العسكر الصهيوني منذ نشأته فلا جديد، والأمر الأعجب والأغرب أن هذا لم يمنع دول عربية من عقد اتفاقات سلام وبناء علاقات حميمية وتطبيع طفيلي مع الكيان الصهيوني، فما هي القيمة الحقيقية الفعلية لبيان جامعة الدول العربية وبعض الدول العربية حين سارعت في إدانة وشجب إعلان رئيس حكومة العدو الصهيوني في التذكير بالنوايا والطموحات التي تعمل إسرائيل على تحقيقها وكأنها تكتشف أمراً جديداً أو مستجداً.
لا شك أن الأمر ليس في مواجهة الكيان المحتل الذي كاد يتناثر كصحن فخار خلال اثني عشر يوم في مواجهة جمهورية إيران الإسلامية المحاصرة بالعقوبات الأمريكية والغربية وإنما يكمن الأمر في مواجهة الولايات المتحدة الأمريكية التي أخذت الدور البريطاني في حماية وتأمين العصابات الصهيونية الإرهابية في قلب الوطن العربي، وبطبيعة الحال الأمر صعب للعرب في مواجهة أمريكا لكنه قدر الأمة العربية ولا سبيل لحماية الأمن القومي العربي الا بموقف جاد وفعل حقيقي مع تحمل الأثمان مهما كلفت، ألم تتحدى دول كثيرة هذه القوة الأمريكية واستمرت في بناء قوتها وتنمية بلدانها برغم العقوبات والحصار الأمريكي؟ مثال البرازيل وفنزويلا مع «مجموعة البريكس» كذلك إيران وكوريا الشمالية وحتى باكستان وتركيا إلى حد ما، ولا أريد ذكر دول عربية حاولت مواجهة أمريكا وانتهت دول فاشلة مبعثرة، لكن الأمر يجعل التفكير والاتجاه لخلق موقف فعلي من قبل الدول العربية أمام الغطرسة الصهيونية الأمريكية ضرورة قصوى حتى وإن كان الثمن خسارة الصداقة الأمريكية أو رضاها فالأمر أصبح يتجاوز أرض فلسطين إلى دول عربية أخرى ونسمع النوايا والرغبة والسعي الإسرائيلي بحماية من أمريكا لتحقيق ذلك، والمثل العربي يقول (ما دون الحلق إلا اليدين) والحلق الذي يصدر بيانات الإدانة والشجب والاستنكار قد امتلأ واختنق، فلتتحرك الايادي للدفاع المبكر ولتبدأ الأذهان في رسم خطط الدفاع الفعلي والحقيقي لمواجهة الولايات المتحدة الأمريكية والغرب عموما وليس الكيان المحتل -دمية الغرب- فهو اوهن من بيت العنكبوت ولا يتحمل ساعات من المواجهة الجدية، وبقاؤه أو زواله مرهون بالموقف العربي والإسلامي من الولايات المتحدة الأمريكية فقط.