من نابليون إلى رؤية 2030: رحلة المملكة العربية السعودية عبر التاريخ والأحداث

من نابليون إلى رؤية 2030: رحلة المملكة العربية السعودية عبر التاريخ والأحداث

معرفة عميقة بالمملكة العربية السعودية

يُعد لويس بلين، المؤرخ والدبلوماسي، أحد أبرز الخبراء في العالم العربي والمملكة العربية السعودية. في كتابه الأخير، “القاموس غير العادي للمملكة العربية السعودية” (Cosmopole)، يقدم بلين منظورًا ميسرًا لفهم هذا البلد الذي غالبًا ما يُصوَّر بشكل سطحي. يبتعد بلين عن الصورة النمطية التي قد تُظهر المملكة كنوع من “حديقة الجوراسي الإسلامية”، مؤكداً على أن الإنسان السعودي يشبه إلى حد كبير بقية سكان العالم. بالنسبة له، تجسد السعودية جزءًا من الهوية العربية التي تستحق الاستكشاف بعيدًا عن الصور النمطية المعروفة.

تاريخ العلاقات العربية الفرنسية

يستعيد بلين في حديثه ذكر الاهتمام الفرنسي بالعالم العربي، الذي يعود إلى عقودٍ مضت، لكن الكثير منه نُسي تدريجياً. فعلى سبيل المثال، سعى نابليون خلال حملته في مصر إلى تعزيز علاقاته مع الشريف في مكة، كما حاول العمل مع الوهابيين. وقد اهتم كتّاب عظماء في القرن التاسع عشر، مثل دوماس ولامارتين، بالمملكة، غير أن الذاكرة الجمعية الفرنسية نسيت هذه الصفحات المهمة، مفضلة تقليص الجزيرة العربية إلى صور نمطية جامدة.

الوهابية وتأثيرها على المجتمع السعودي

يؤكد لويس بلين على الدور المحوري للوهابية في تشكيل الدولة السعودية. ويعتبر أن هذه الحركة، التي رُوِّج لها في الغرب كحركة عنيفة بشكل جوهري، هي في الحقيقة “علامة على الراديكالية أكثر من كونها تجسيداً للتطرف الديني”. لقد كانت الوهابية بمثابة الرابط السياسي الذي وحد مجتمعاً قبلياً غير منتظم. ويشير بلين إلى أن السعودية اليوم تتجه نحو مرحلة جديدة تتسم بتعزيز الهوية الوطنية، في سياق إعادة تنظيم العلاقات بين الدين والمجتمع والسلطة.

المرأة كمحرك للتغيير الاجتماعي

يتناول بلين دور النساء كمحرك رئيسي للتغيير الاجتماعي في المملكة. بعد أن حُصرت النساء في المساحات الخاصة لفترة طويلة، بدأت الآن في إحداث تأثير ملحوظ في الحياة العامة، لا سيما بعد السماح لهن بقيادة السيارات. يشير بلين إلى أنهن “قد قمن بتفجير الجمود الاجتماعي والديني”، وأصبح لهن دور فعال في القوى العاملة، وهو ما يعدّ ضرورياً في إطار الاقتصاد الذي يسعى للابتعاد عن الاعتماد على النفط. ورغم أن المملكة لا تزال تحت نظام ديكتاتوري، إلا أن الحكومة تحظى بدعم كبير من الشباب والنساء، الذين ينظرون إلى هذه التغيرات باعتبارها فرصة غير متوقعة.

الرؤية 2030: خطة للتنمية الشاملة

لتحفيز هذا التحول، أسس ولي العهد الأمير محمد بن سلمان مشروع “الرؤية 2030″، الذي وصفه بلين بأنه “الألفا والأوميغا للسلطات السعودية”. ورغم أن هذه الخطة الطموحة للتنويع الاقتصادي قد تبدو مثالية، إلا أنها نجحت في توحيد المجتمع حول رؤية مشتركة. كما زادت من شرعية ولي العهد، الذي استطاع الربط بين التحولات الاجتماعية والانفتاح الاقتصادي.

القضية الإسرائيلية الفلسطينية: بين الموقف والواقع

في سياق القضية الإسرائيلية الفلسطينية، يبرز بلين تناقضاً مثيراً. فالجزيرة العربية تعتبر واحدة من الدول القليلة التي لم تُطبع علاقاتها مع إسرائيل، ولكن يُظهر السعوديون جهلاً كبيرًا بقضية فلسطين، يعود جزئياً إلى تأثير الوهابية التي تمنع الثقافة السياسية والتاريخية. إن الفلسطينيين الموجودين في المملكة غالباً ما يكونون جزءًا من طبقة متوسطة لا تمتلك خبرة مباشرة مع الاحتلال، مما يفسر الافتقار إلى التضامن الفعلي، على الرغم من أن الموقف الرسمي والشعبي لا يزال ضد إسرائيل، كما يتضح من إدانات الحرب في غزة.

الخيال الغربي وتصور العرب

وأخيرًا، يسلط بلين الضوء على التكرار المثير لظهور العرب في مغامرات “تينتين”، رغم عدم ذكرهم بشكل صريح. هذه الظاهرة، بحسب بلين، تعكس وجود العرب في الوعي الجماعي الأوروبي، على الرغم من أن الصورة العامة للمنطقة قد تكون غامضة. هذه الصورة تعكس أيضًا عبقريتها وتعقدها؛ حيث إنها الدولة الوحيدة التي نجت من الاستعمار وفرضت بعض القيود على دخول الأجانب.

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *