المأساة الإنسانية في السودان
عند قراءة الأخبار عن الحروب أو متابعة تفاصيلها عبر الشاشات ومنصات السوشيال ميديا، تؤثر علينا الأرقام المجردة التي تتعرض لها النازحين والمشردين. لكن خلف هذه الأرقام تختبئ مصائر بشرية مأساوية، وآهات وصيحات ودموع، وأحلام مكسورة وآمال محطمة. تتسارع مأساة الشعوب عندما يلجأ العالم إلى تجاهل الأزمات، كما يحدث حاليًا في السودان الذي يعاني من صراعات داخلية مريرة بين أبنائه. في الماضي، كانت الصورة النمطية للسودانيين في أذهان السعوديين تتجسد في شخصياتهم الودودة والمتسامحة، لكن الوضع اليوم قد تغيّر، وأصبح واقعهم محاطًا باليأس والضياع.
معاناة المدنيين في أتون الحرب
في مايو (أيار) الماضي، بدأت امرأة سودانية تُدعى “أميرة” رحلة محفوفة بالمخاطر عبر إحدى أكثر المناطق اشتعالًا في السودان، وهي حبلى في شهرها السابع. كانت تسعى للهروب مع عائلتها من مدينة في ولاية غرب كردفان، والخيارات أمامها كانت محدودة. سجلت أميرة مذكرات صوتية أثناء محاولتها الفرار، وتم عرضها بواسطة منظمة “آفاز” الحقوقية. وفي أحد المكالمات الهاتفية مع “بي بي سي” من العاصمة الأوغندية كامبالا، حيث تنتظر ولادة طفلها، روت تفاصيل محزنة تبين مدى الرعب الذي عاشته مع الركاب الآخرين، إذ كانت جدة طفلها ووالدته تبكيان وتتوسلان للسائق ألا يطلق النار.
وصف رحلتها بالشاحنة المحملة بالركاب، والتي كانت محملة بالأمتعة والأشخاص، يعكس مدى الخوف الذي كان يتملكهم. كانت الأمهات ممسكات بأي شيء يمكنهن الإمساك به، يحاولن حماية أطفالهن وسط أجواء من الرعب. تتجلى معاناتها عندما تقول: “كنت خائفة طوال الوقت. كنت أدعو الله ألّا يُولد الطفل الذي في رحمي، وأتمنى أن يكون كل شيء على ما يرام”. هذه الكلمة تعبر عن فقدان الامل وهروب الحياة من قلوب الناس. إذا وصل شعور امرأة حامل إلى رغبة في التخلص من طفلها، فهذا يشير إلى أن الحياة فقدت معناها، وهو تعبير عن حال السودان في الوقت الراهن.
الابن في هذه القصة هو الوطن، السودان، ورجال السياسة فيه. المعاناة تكتنف الجميع، رجالًا ونساءً، مطالبًا بوجوب أن تشرق حكمة جديدة على الذين يسيرون بزمام السلطة. نسأل الله أن يمنح السودان السلام والأمل؛ فقد حان الوقت لأن يتحلى الجميع بالحكمة لإعادة بناء وطنهم من جديد.