
تحديات النفوذ في العاصمة الليبية طرابلس
تشهد العاصمة الليبية طرابلس توترات متزايدة نتيجة تحشيد الميليشيات المتناحرة، مما يعكس تنازع الولاءات بين تيارات دينية وتسابق على السيطرة داخل المؤسسات والمرافق السيادية. ويعكس الوضع فزعاً متزايداً في أوساط الليبيين من احتمالية تصعيد الصراع.
نزاعات السلطة والولاءات الآيديولوجية
تتواجد في غرب وجنوب طرابلس فصائل متحالفة مع وزارتي الدفاع والداخلية تحت قيادة حكومة «الوحدة الوطنية» المؤقتة برئاسة عبد الحميد الدبيبة، بينما تسيطر عناصر «قوة الردع الخاصة» على أجزاء من شرق العاصمة. وتدور الاشتباكات في المنطقة الفاصلة بين الطرفين، حيث توجد سبعة ألوية وكتائب مسلحة قادمة من مصراتة. يشير المحللون إلى أن الولاءات الآيديولوجية تلعب دورًا رئيسيًا في هذا الصراع، حيث يحظى الدبيبة بدعم المفتي المعزول، الصادق الغرياني، الذي يرتبط ارتباطًا وثيقًا بجماعات إسلامية، بما في ذلك «الإخوان» في ليبيا. ويقوم الغرياني، المعروف بدعمه للدبيبة وقيادته لحملة إعلامية ضده، بالتركيز على قضايا سجناء ينتمون إلى تنظيمات متطرفة.
وتجدر الإشارة إلى أن حلفاء الدبيبة يشملون كلاً من «اللواء 444» و«اللواء 111»، اللذين يضم حالياً عناصر من تنظيمات كانت قد خاضت حروبًا سابقة ضد قوات الجيش الوطني الليبي. كما أن “ميليشيا الأمن العام” تتبنى علاقة تحالف نفعي، ما يعكس جزءًا من العلاقات المعقدة في الساحة الليبية. وبالمقابل، فإن ميليشيا «جهاز الردع» تنتمي إلى فكر «السلفية المدخلية»، مما يفسر صداماتها مع الجماعات المسيطرة على تيارات الإسلام السياسي.
وتتأزم الأوضاع أكثر مع التوترات بين ميليشيا «رحبة الدروع» وخصومها، حيث تباينت الاصطفافات نتيجة تهديدات جديدة. وتشير الأحداث الأخيرة إلى إمكانية وجود تحالفات غير رسمية بين الميليشيات، وخاصة بعد مقتل قائد ميليشيا «جهاز دعم الاستقرار»، مما أفرز مساعٍ لتأمين الوضع الأمني. ويتجلى ذلك بشكل خاص في الصراع حول مطار معيتيقة وسجن معيتيقة، حيث يطالب «جهاز الردع» بتسليم المرافق لمؤسسات الحكومة لتحقيق استقرار أوضح.
في الوقت نفسه، يتصاعد تأثير الميليشيات بشكل يعكس ظهور «اقتصاد الحرب»، حيث تتحكم هذه الفصائل في الأنشطة الاقتصادية، ما يعزز نفوذها وسط غياب السيطرة الحكومية الفعالة. ومع ارتفاع حدة النزاعات، تبرز مخاوف من فرد عضلات القوة العسكرية، حيث تتفاوت تقديرات تلك القوى، ولكن يُعتقد أن حلفاء الدبيبة يتفوقون في التسليح، بينما تُظهر قوة «الردع» قدرة على الانضباط والنزاهة. يتفوق حلفاء الدبيبة من حيث المعدات العسكرية، بما في ذلك استخدام الطائرات المُسيرة، مما يشير إلى إمكانية تصعيد الصراع في المستقبل.
كما يترقب الجيش الوطني الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر الأحداث في طرابلس، حيث تشير التقديرات إلى عدم وجود نية للتدخل المباشر مع تغير الظروف المحيطة بالصراع. وفي ظل هذه الأوضاع، يلوح في الأفق فرصة لوجود اتفاق شامل برعاية المجلس الرئاسي قد يُخفف من وطأة الأزمة. ومع ذلك، تحتاج العملية إلى خطوات ملموسة لإنهاء عسكرة العاصمة وخضوع الجميع لسلطة القانون، وإلا فسيدفع ذلك إلى عودة الصراعات من جديد.