المحكمة الدستورية العليا وقانون الإيجار القديم: فصل جديد في نزاع ممتد

المحكمة الدستورية العليا وقانون الإيجار القديم
المحكمة الدستورية العليا وقانون الإيجار القديم

في خطوة قضائية مرتقبة، فتحت المحكمة الدستورية العليا في مصر صفحة جديدة في أحد أقدم وأكثر الملفات جدلاً على الساحة المصرية، حيث المحكمة الدستورية العليا تقيد أول طعن ضد قانون الإيجار القديم في صيغته المعدلة بالقانون رقم 164 لسنة 2025. هذا التطور لا يمثل مجرد إجراء قانوني، بل هو نقطة تحول قد تعيد رسم ملامح العلاقة بين الملاك والمستأجرين، وتضع حداً لعقود من التجاذبات الاجتماعية والاقتصادية التي أثرت بعمق في بنية المجتمع المصري.

قيدت المحكمة الطعن تحت رقم 32 لسنة 47 قضائية دستورية، والذي يطالب بصفة مستعجلة بوقف تنفيذ القانون الجديد، وتحديداً المادة الثانية منه التي تنص على إنهاء عقود الإيجار السكني بعد سبع سنوات. يستند الطعن إلى أحكام سابقة للمحكمة ذاتها صدرت في عام 2002، مما يفتح الباب واسعاً أمام معركة قانونية ستكون لها تداعياتها الواسعة على ملايين الأسر المصرية.

كيف بدأت أزمة الإيجار القديم في مصر؟

لم تكن قوانين الإيجار الاستثنائية وليدة الصدفة، بل جاءت نتاج ظروف تاريخية واجتماعية واقتصادية مرت بها مصر على مدار قرن من الزمان.

  • فترة الحروب العالمية: بدأت الدولة تدخلها في العلاقة الإيجارية مع اندلاع الحرب العالمية الأولى، حيث صدر القانون رقم 11 لسنة 1920 الذي وضع حداً أقصى للأجرة وقيد حق المالك في إخلاء المستأجر إلا بحكم قضائي. تكرر الأمر مع الحرب العالمية الثانية بصدور القانون رقم 151 لسنة 1941 الذي منع زيادة الإيجارات ومدد العقود تلقائياً لحماية المستأجرين.
  • الحقبة الناصرية: بعد ثورة 1952، اتخذت الدولة منحى اشتراكياً يهدف إلى حماية الطبقات العاملة ومحدودي الدخل. صدرت سلسلة من القوانين (مثل قوانين 1952، 1958، 1961، 1965) التي خفضت الإيجارات بنسب متفاوتة، وأرست مبدأ الامتداد القانوني لعقد الإيجار.
  • قانونا 1977 و 1981: يعد القانون رقم 49 لسنة 1977 والقانون رقم 136 لسنة 1981 من أهم التشريعات التي رسخت قواعد الإيجار القديم، وعلى رأسهما الامتداد القانوني للعقد لجيل واحد من أبناء المستأجر الأصلي.
  • قانون 1996 والتحرير التدريجي: شكل القانون رقم 4 لسنة 1996 نقطة تحول، حيث أخضع العقود الجديدة المبرمة بعد تاريخه لأحكام القانون المدني، منهياً مبدأ الامتداد القانوني وتثبيت الأجرة للعقود الجديدة، لكنه أبقى على الأوضاع القديمة دون مساس.

القانون 164 لسنة 2025: محاولة لفض الاشتباك

بعد عقود من الجمود، وتلبية لحكم المحكمة الدستورية العليا الصادر في نوفمبر 2024 بعدم دستورية تثبيت الأجرة، جاء القانون رقم 164 لسنة 2025 كخطوة حاسمة من المشرّع لإنهاء أزمة الإيجار القديم بشكل تدريجي.

البند التفاصيل
إنهاء العقود – الوحدات السكنية: تنتهي العقود بعد 7 سنوات من تاريخ العمل بالقانون. – الوحدات غير السكنية: تنتهي العقود بعد 5 سنوات من تاريخ العمل بالقانون.
زيادة الأجرة – زيادة دورية سنوية بنسبة 15% خلال الفترة الانتقالية – تحديد قيمة إيجارية جديدة بناءً على تصنيف المناطق (متميزة، متوسطة، اقتصادية) بعد عمل لجان مختصة.
ضمانات اجتماعية – حق المستأجر المتضرر في التقدم للحصول على وحدة سكنية بديلة (إيجار أو تمليك) من الوحدات المتاحة لدى الدولة.

المحكمة الدستورية العليا تقيد أول طعن ضد قانون الإيجار القديم: الأبعاد القانونية

يعد الطعن الأخير أمام المحكمة الدستورية العليا خطوة محورية في مسار هذا القانون. فالقضية لا تتعلق فقط بتحديد مصير ملايين المستأجرين والملاك، بل تمتد لتحديد العلاقة بين السلطتين التشريعية والقضائية.

ما هي أبرز دفوع الطعن؟

يرتكز الطعن الحالي على المطالبة بالاستمرار في تنفيذ حكمين سابقين للمحكمة الدستورية صدرا في 3 نوفمبر 2002 (في الدعويين 70 لسنة 18 ق و 105 لسنة 19 ق). يرى مقدمو الطعن أن المادة الثانية من القانون الجديد، التي تحدد مدة زمنية لإنهاء العقود، تتعارض مع هذه الأحكام السابقة التي رسخت مبادئ معينة في العلاقة الإيجارية.

دور المحكمة الدستورية السابق

للمحكمة الدستورية تاريخ طويل في التعامل مع قوانين الإيجار، حيث أصدرت ما يزيد عن 39 حكماً في هذا الشأن. من أبرز أحكامها:

  • حكم 1996: قضت بعدم دستورية استمرار شركاء المستأجر الأصلي للعين التجارية بعد تخليه عنها.
  • حكم 1997: قضت بعدم دستورية امتداد عقد الإيجار لورثة المستأجر في الأماكن غير السكنية.
  • حكم 2002: حسمت مسألة الامتداد القانوني لعقود الإيجار السكنية، وقصرته على جيل واحد فقط من ورثة المستأجر الأصلي المقيمين معه.
  • حكم 2024: قضت بعدم دستورية تثبيت القيمة الإيجارية بشكل أبدي، وهو الحكم الذي مهد الطريق لصدور القانون الجديد.

الآثار الاجتماعية والاقتصادية المنتظرة

يمثل قانون الإيجار القديم شبكة معقدة من المصالح المتضاربة، وأي تغيير فيه لا بد أن تكون له انعكاسات واسعة.

  • من وجهة نظر الملاك: يرون في القانون الجديد إنصافاً طال انتظاره، ويعيد إليهم حقهم في ملكيتهم التي جُمدت لعقود بقيم إيجارية زهيدة لا تتناسب مع القيمة السوقية الحالية ولا تكفي حتى لصيانة العقارات.
  • من وجهة نظر المستأجرين: يخشى الكثيرون، خاصة من كبار السن ومحدودي الدخل، من فقدان مسكنهم الذي يمثل استقرارهم الاجتماعي وذكرياتهم، ويرون أنهم دفعوا في الماضي “خلو رجل” أو مبالغ كبيرة كانت تمثل جزءاً من ثمن الوحدة.
  • التأثير الاقتصادي: يتوقع الخبراء أن يؤدي تحرير العلاقة الإيجارية إلى تحريك آلاف الوحدات السكنية المغلقة، مما يزيد من المعروض في السوق العقاري ويحفز الاستثمار. من ناحية أخرى، هناك مخاوف من حدوث ضغوط تضخمية وارتفاع تكاليف المعيشة على شريحة واسعة من المواطنين.

إن قرار المحكمة الدستورية العليا المرتقب لن يكون مجرد حكم في قضية، بل سيكون بوصلة تحدد مستقبل العلاقة الإيجارية في مصر، وتحاول خلق توازن دقيق بين حق الملكية الذي كفله الدستور، وبين اعتبارات العدالة الاجتماعية التي تمثل ركيزة أساسية لاستقرار المجتمع.

أسئلة شائعة

1. هل يلغي الطعن الحالي تطبيق قانون الإيجار القديم الجديد فوراً؟

لا، مجرد قيد الطعن لا يوقف تنفيذ القانون. سيظل القانون سارياً حتى تصدر المحكمة الدستورية العليا حكمها. طالب الطعن بصفة مستعجلة بوقف التنفيذ، وستنظر المحكمة في هذا الطلب بشكل منفصل.

2. ما هو مصير “خلو الرجل” الذي دفعه بعض المستأجرين قديماً؟

لم يتطرق القانون الجديد بشكل صريح لمسألة “خلو الرجل” وكيفية تسويته، وتظل هذه النقطة من المسائل الشائكة التي قد تحتاج إلى نصوص تفسيرية أو تكون محلاً لنزاعات قضائية فردية لتقديرها وإثباتها.

3. هل ينطبق القانون الجديد على عقود الإيجار المبرمة بعد عام 1996؟

لا، القانون رقم 164 لسنة 2025 يطبق فقط على الأماكن المؤجرة وفقاً لأحكام قوانين الإيجار الاستثنائية قبل صدور القانون رقم 4 لسنة 1996. العقود المبرمة بعد هذا التاريخ تخضع للقانون المدني ولا يوجد بها امتداد قانوني للعقد.

4. ما هي ضمانات حيادية لجان تصنيف المناطق لتحديد القيمة الإيجارية؟

نص القانون على أن تشكل اللجان بقرار من المحافظ المختص، وتضم في عضويتها عناصر فنية وقانونية. كما أن قراراتها تخضع للرقابة القضائية، ويحق للمتضرر الطعن عليها، مما يوفر ضمانة للحيادية والشفافية.

5. هل يمكن للمالك والمستأجر الاتفاق على إنهاء العقد قبل انتهاء المدة الانتقالية (7 سنوات للسكني)؟

نعم، نصت المادة الثانية من القانون صراحة على أن انتهاء العقود يتم في نهاية المدة المحددة “ما لم يتم التراضي على الإنهاء قبل ذلك”، مما يفتح الباب أمام الحلول الرضائية بين الطرفين في أي وقت.

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *