فتوى الأزهر تحسم الجدل: “روبلوكس” خطر يهدد أطفالنا في العالم الافتراضي

في خطوة حاسمة تعكس تزايد القلق المجتمعي، أصدر مركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية بيانًا رسميًا يحذر فيه من المخاطر الجسيمة للعبة “روبلوكس” (Roblox)، مؤكدًا على حرمة الألعاب التي قد تعرض الأطفال لمحتوى غير لائق أو سلوكيات منحرفة. يأتي هذا التحذير ليتوج نقاشًا واسعًا أثارته الكاتبة الصحفية همت سلامة، ، في برنامجها “الكلام على إيه؟”، حيث سلطت الضوء على الجانب المظلم لهذه المنصة التي تحولت من مجرد لعبة إلى عالم افتراضي مفتوح يحمل في طياته تهديدات حقيقية لسلامة الأطفال النفسية والسلوكية.
الأزهر يتدخل: حماية النشء واجب ديني ومجتمعي
لم يأتِ بيان الأزهر من فراغ، بل جاء كاستجابة مباشرة للمخاطر المتنامية التي كشفت عنها تقارير متخصصة وشكاوى أولياء الأمور. وأوضح المركز أن “روبلوكس”، بطبيعتها التي تتيح للمستخدمين إنشاء عوالمهم الخاصة، أصبحت بيئة خصبة لنشر محتويات تتضمن العنف، والإيحاءات الإباحية، والتحرش، والاستغلال عبر غرف المحادثات المفتوحة.
وأكد الأزهر أن دوره لا يقتصر على الجانب الديني فحسب، بل يمتد ليشمل التوعية والإرشاد لحماية بنية الأسرة والمجتمع. وجاء في البيان أن كل لعبة إلكترونية تحض على الكراهية، أو تسيء للدين، أو تعرض الأبناء لمخاطر أخلاقية، أو تهدد سلامتهم النفسية والجسدية، هي محرمة شرعًا. وقد لاقى هذا الموقف تفاعلًا واسعًا، مؤكدًا على ضرورة تدخل المؤسسات الدينية والتربوية لتوجيه الأسر في مواجهة تحديات العصر الرقمي.
عالم روبلوكس Roblox: ما وراء الشخصيات الكرتونية
تكمن خطورة “روبلوكس” في كونها ليست مجرد لعبة، بل منصة تفاعلية تضم أكثر من 70 مليون مستخدم نشط يوميًا، غالبيتهم من الأطفال والمراهقين. هذا العالم المفتوح، الذي يبدو بريئًا بشخصياته الكرتونية وألوانه الجذابة، يخفي وراءه شبكة معقدة من المخاطر:
- الاستغلال والتحرش الجنسي: تتيح غرف المحادثات المفتوحة المجال للمتربصين والمتحرشين للتواصل المباشر مع الأطفال، مستغلين براءتهم لاستدراجهم إلى محادثات غير لائقة أو حتى ابتزازهم. وقد سجلت تقارير عالمية آلاف حالات التحرش والاستغلال الجنسي المرتبطة بالمنصة.
- المحتوى العنيف وغير اللائق: نظرًا لأن المحتوى يتم إنشاؤه بواسطة المستخدمين، فمن السهل تسرب ألعاب تروج للعنف، والقتل، والسلوكيات العدوانية، والأفكار التي تتنافى مع قيم المجتمع.
- الإدمان والتأثير النفسي: صُممت اللعبة بآليات نفسية تشجع على الاستخدام المفرط، مما يؤدي إلى الإدمان الذي يؤثر سلبًا على التحصيل الدراسي للأطفال، ويزيد من عزلتهم الاجتماعية، وقد يسبب لهم اضطرابات نفسية كالقلق والاكتئاب.
- الاستنزاف المالي: يعتمد نظام اللعبة على عملة افتراضية تسمى “Robux” يتم شراؤها بأموال حقيقية، وهو ما يدفع الأطفال إلى إنفاق مبالغ مالية كبيرة دون وعي أو إشراف من الأهل.
تحرك عالمي ومسؤولية أبوية
لم تقتصر التحذيرات على مصر فقط، بل هي جزء من موجة قلق عالمية. فقد اتخذت دول عديدة مثل الصين، تركيا، قطر، وعُمان إجراءات صارمة وصلت إلى حد حظر اللعبة بالكامل لحماية الأطفال. كما قامت دول أخرى مثل الأردن بحجب غرف الدردشة داخل اللعبة كحل وسط.
وفي ظل هذه التحديات، يتفق الخبراء والأزهر على أن المنع وحده ليس الحل الأمثل دائمًا. فالمسؤولية الأكبر تقع على عاتق أولياء الأمور، الذين يجب عليهم التحول من المنع إلى المراقبة والمشاركة الفعالة. ويقدم الأزهر والخبراء مجموعة من النصائح العملية لحماية الأطفال:
- تفعيل الرقابة الأبوية: تتيح المنصة أدوات لتقييد المحتوى والتواصل، ويجب على الآباء تفعيلها لتناسب عمر أطفالهم.
- التواصل المفتوح: بناء جسر من الثقة مع الأطفال وتشجيعهم على الحديث عن أي تجربة مقلقة يواجهونها أثناء اللعب.
- تحديد وقت اللعب: وضع جدول زمني واضح للعب لتجنب الإدمان وضمان عدم تأثيره على الأنشطة الحياتية الأخرى.
- المشاركة واللعب معهم: استكشاف اللعبة مع الأطفال يساعد الآباء على فهم طبيعة هذا العالم والمخاطر المحتملة فيه.
في النهاية، يبقى الوعي والمتابعة هما خط الدفاع الأول لحماية الأطفال من “مصنع المشاكل” الذي قد تتسبب به “روبلوكس” وغيرها من الألعاب، وتحويل العالم الرقمي من فخ محتمل إلى مساحة آمنة ومفيدة.