من تحليل الفجوات إلى تنفيذ حلول عالمية فعّالة

التداخل المؤسسي بين التجارة والاستثمار في المملكة

تتعرض المملكة العربية السعودية لمجموعة من التحديات المتعلقة بالتداخل المؤسسي بين قطاعات التجارة والاستثمار، حيث يتطلب الوضع الحالي هندسة جديدة تعتمد على وجود واجهة موحدة تساهم في تسريع الإجراءات وتحسين البيئة الاستثمارية. إن هذه الإشكالية ليست محصورة في السياق السعودي، بل تتضح أيضًا في تجارب العديد من الدول التي مرت بعمليات تحول اقتصادي مشابهة. من خلال تحليل التجارب العالمية يمكن تقديم حلول مسبقة قابلة للتطبيق على مستوى المملكة.

تجاوزت تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر في المملكة 80 مليار ريال في عام 2023، إلا أن الهدف المنشود ضمن رؤية 2030 هو رفع المساهمة إلى 5.7% من الناتج المحلي الإجمالي. ومع ذلك، لا يتمثل التحدي الرئيسي في قلة المشاريع أو ضعف الحوافز، بل في تعدد النوافذ المؤسسية التي تعرقل المستثمرين، مما يؤدي إلى زيادة التكاليف الخفية وتأخير الإنجاز. لذا، فإن الحاجة ملحة للاستفادة من نماذج ناجحة أثبتت فعاليتها عالميًا. على سبيل المثال، أسست سنغافورة هيئة التنمية الاقتصادية (EDB) في عام 1961 كنقطة موحدة للمستثمرين، مما ساهم في تسريع إجراءات تسجيل الشركات والتراخيص لتستغرق أيامًا قليلة بدلاً من أشهر.

التكامل المؤسسي بين القطاعات

فيما يتعلق بالممارسات الحالية في السعودية، يوصى بإطلاق نافذة موحدة رقمية وميدانية تحقق اختصار المسارات التي يخوضها المستثمر، مع تزويدها بصلاحيات تنفيذية كاملة. كذلك، التجربة الكورية التي تمخضت عن تأسيس Invest Korea كجزء من KOTRA يمكن أن تكون نموذجًا يحتذى به، حيث اجتمعت فرق قطاعية مشتركة لأغراض تعزيز التعاون بين التجارة والاستثمار ومرافقة المستثمر.

علاوة على ذلك، استحدثت الإمارات وزارة الاستثمار الاتحادية لتكون المنصة المركزية التي تراقب تأثير السياسات وتحدد نقاط الاختناق، من دون تجاهل دور وزارة الاقتصاد وما تمثله المناطق الحرة. اقتراح إنشاء كيان تكاملي في السعودية يضمن أن الاستراتيجيات الاستثمارية والتجارية تدار كمنظومة واحدة سيكون له أثر كبير على التنسيق والجودة.

ومن جهة أخرى، فإن اعتماد نموذج من الدول الأوروبية مثل هولندا، التي أسست وكالة الاستثمار الأجنبي الهولندية (NFIA)، قد يوفر نافذة واحدة تجمع بين المستثمرين والجهات المختصة، مع ضمان تكامل الأهداف بين التجارة والدبلوماسية الاقتصادية. إن استلهام هذه التجارب لا يعني فقط تقليدها بل يتطلب ابتكار ممارسات تناسب السياق السعودي وحده.

أخيرًا، يتبين أن الجهود الحالية التي يبذلها صندوق الاستثمار السعودي من خلال منصة استثمر في السعودية بحاجة إلى تكامل أكبر يمثل نظامًا مؤسسيًا متكاملاً يسهم في تعزيز الثقة الاستثمارية ويعزز صورة المملكة عالميًا كوجهة جاذبة للاستثمارات. فإن اعتماد نوافذ موحدة وتوسيع نطاق التكامل بين الجهات سيعمل على خلق بيئة تنافسية أكثر جذبًا للمستثمرين مع ضمان استدامة المشاريع.

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *