اقتصاد الظل: مليارات الدولارات من الذهب لمواجهة نقص ‘الدولار الأسود’


الذهب في العراق: تحول اقتصادي واستراتيجي

في ظل تذبذب الحالة الاقتصادية وضعف الرقابة، أصبح الذهب في العراق وسيلة مالية مركزية تعكس التحديات الداخلية والتقاطعات الخارجية. تشير البيانات الرسمية إلى أن استيرادات العراق من خمس دول رئيسية تجاوزت 30 مليار دولار في النصف الأول من عام 2025، مع تصدر الإمارات للصادرات بقيمة 10.5 مليار دولار، تلتها الصين وتركيا والاتحاد الأوروبي والهند. كما برز الذهب في مقدمة المعادن الثمينة المستوردة، حيث بلغ قيمته 3.3 مليار دولار، مما يعزز مكانته في هيكل التجارة العراقية.

المعدن الثمين كوسيلة مالية

تحت ضغوط القيود المفروضة على التحويلات المصرفية من قبل وزارة الخزانة الأمريكية، أصبح الذهب وسيلة بديلة لتعويض نقص الدولار. بدلاً من خروج العملة الصعبة عبر تعاملات رسمية، صار استيراد الذهب وسيلة لتدوير الأموال، سواء كان بإعادة تصديره لدول مجاورة كتركيا، أو مقايضته مع البضائع الإيرانية، مما يحوله إلى عنصر أساسي في النظام المالي. تشير العديد من التقديرات إلى أن الذهب أصبح غطاءً لعمليات تهريب الدولار، حيث يُستورد عبر قنوات رسمية ولكن يُوجه نحو طرق غير خاضعة للرقابة. لذلك، فإن هذا المعدن ليس مجرد سلعة، بل أداة معقدة تضاهي الدولار في تأثيرها.

تظهر الأرقام أن عام 2024 كان منعطفاً دقيقاً، حيث تجاوزت قيمة استيرادات الذهب 12.5 مليار دولار، وهو ما يعادل 16% من إجمالي الاستيرادات. ومع غياب بيانات دقيقة حول المنافذ التي دخلت منها هذه الكميات أو آليات توزيعها، تزايدت التساؤلات حول استخدامها: هل استُهلكت محلياً، أو أُعيدت إلى الخارج، أم استخدمت في مقايضات تجارية غير معلنة؟

هذا التحول لم يؤثر فقط على الجانب المالي بل أضحى له تبعات اجتماعية كبيرة. فقد سجلت الأسواق ركوداً ملحوظاً في محلات الصاغة مع ارتفاع أسعار الذهب، مما أدى إلى تأثيرات سلبية على قرارات الزواج وزيادة الأعباء المالية على الأسر. إن هذا الأمر من شأنه أن يُعقد العلاقات الاجتماعية ويؤخر تكوين الأسر، مما ينبه الخبراء إلى المخاطر الاجتماعية المحتملة.

في ضوء هذه المعطيات، يحذر الخبراء من أن الجهود الحكومية في ضبط ملف الاستيرادات تواجه تحديات كبيرة، داعين إلى التركيز على السلع عالية القيمة مثل الذهب. وفقاً لتقديراتهم، فإن إكتراث الدولة بأتمتة قطاع الذهب يمكن أن يكشف العديد من الثغرات المالية. من جهة أخرى، أوضح بعض الاقتصاديين أن الارتفاع الحالي في أسعار الذهب ليس فقط محلياً، بل جزء من موجة عالمية مرتبطة بتقلبات الأسواق العالمية.

أخيراً، يُعد شراء العراق لأكثر من 20 طناً من الذهب خلال عام واحد وإحرازه المرتبة السابعة عالمياً في هذا المجال خطوة استراتيجية. يحمل هذا التوجه فوائد عدة داخل الاقتصاد الوطني، ولكنه يتطلب أيضاً مراقبة دقيقة لمنع تحول الذهب إلى عصا مزدوجة الاستخدام في عمليات التهريب. إذ أن ضبط مسارات الذهب سيحول هذا المورد من مجرد عنصر قلق إلى عنصر أساسي يعزز الثقة في الدينار والسياسة الاقتصادية العراقية.

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *