متعاطٍ يحكي عن معاناته: ‘الكريستال’ يقودني إلى الاعتداء الجنسي ويدمر عائلتي النجفية
ظاهرة المخدرات في المجتمع العراقي
انعكست الأزمات الاقتصادية والاجتماعية في العراق بشكل واضح على حياة الشباب، مما جعلهم يواجهون تحديات خطيرة أبرزها انتشار المخدرات. “كنت أبحث عن شعور يغطّي وحدتي وضعفي، فوجدت نفسي أمام الكريستال، يمنحني طاقة لا تنطفئ وجرأة لا أعرفها، يجعلك لا تنام، ولا تبالي، ولا ترى أحدًا”، بهذه العبارة يروي أحد المتعاطين السابقين تجربته، مشيرًا إلى التأثير المدمر الذي أحدثته هذه المادة على حياته.
تفشي الإدمان في المجتمع
تمثل الشهادات التي يتم تداولها تجسيدًا لمعاناة شريحة متزايدة من الشباب الذين يقعون ضحية للفقر والعزلة الاجتماعية، ونقص الثقة بالجهات الرسمية. فقد أصبحت المخدرات ظاهرة تتجاوز خطورة الاستخدام الفردي، وأصبحت تتغذى على الهشاشة البنيوية في المجتمع. رغم الجهود المبذولة لمكافحة هذه المشكلة، تشير البيانات إلى أن الاستراتيجيات الحالية لم تُظهر أي نجاح يذكر في الحد من تفشيها، بسبب عدم وجود برامج وقائية كافية وضعف الرعاية النفسية والاجتماعية.
قصص الضحايا تعكس معاناة داخل الأسر؛ حيث يتحدث أحد الشبان عن فتاة من النجف كانت تخشى الخروج من منزلها نتيجة تهديدات شقيقها المدمن. هذه الحالات ليست فردية، بل تمثل نموذجًا لكيفية تحول المخدرات إلى عنصر هدم لكافة الروابط الأسرية. وبحسب الآراء القانونية، تبقى النصوص القانونية حبرًا على ورق إن لم تُدعم بقوانين فاعلة وآليات رقابة حقيقية.
من المقلق أن العديد من المتعاطين يحصلون على المخدرات من أشخاص متواجدين في المؤسسات الأمنية، مما يهدم الثقة في هذه المؤسسات ويعكس مدى تعقيد الأزمة. فالشبكات التي تدير عمليات التوزيع لم تعد حكرًا على القوى الخارجة عن القانون بل تمتد إلى الزوايا المظلمة من النظام الرسمي. هذا الواقع يحتاج إلى إصلاحات شاملة في الآليات الأمنية والتنظيمية.
إضافةً إلى ذلك، تشير التقارير إلى أن حالة التدهور الأمنية في البلاد تعكس بدورها العلاقة المتزايدة بين المخدرات وارتفاع معدلات الجرائم، حيث يسجل العراق بشكل متكرر حوادث قتل داخل العوائل، والتي تصل نسبة المخدرات في أسبابها إلى 30%. إنّ تدهور الوضع الأمني يعد بمثابة جرس إنذار، لتحذير من تداعيات تفشي هذه الظاهرة.
في غضون ذلك، تُظهر الاستراتيجيات الحالية لمكافحة المخدرات اعتمادًا كبيرًا على الجانب الأمني، وهو ما لم يعد كافيًا لوحده. فدون تكامل الجهود الأمنية مع مبادرات اجتماعية واقتصادية تركز على معالجة المشاكل الأساسية كالفقر والبطالة، سيفشل أي مسعى لمكافحة الظاهرة. لقد أصبح بإلحاح ضرورة التركيز على تقديم برامج وقائية داخل المدارس والجامعات، لدعم الشباب وتعزيز وعيهم بآثار المخدرات.
يبدو واضحًا أن المخدرات لم تعد مشكلة فردية، بل أصبحت ظاهرة مجتمعية تتطلب تدخلات منسقة ومتعددة الأبعاد. إن معالجة هذه المشكلة تتطلب مراجعة شاملة للسياسات والنظم الموجودة، لتتحول الأزمة إلى فرصة لإعادة بناء الثقة بالمؤسسات، وذلك من خلال تطوير استراتيجيات مدروسة تستند إلى التخفيف من آثار الاحتياجات النفسية والاجتماعية. إن لم تُعالج هذه التحديات بشكل جذري، ستستمر المخدرات في تهديد العراقيين، وتؤثر بشكل قاتل على المجتمع ككل.