أزمة إنسانية مستفحلة: موت ونزوح في غياب الحلول


أزمة المياه في العراق وتأثيراتها السلبية

تواجه العراق اليوم واحدة من أخطر الأزمات المائية التي باتت تهدد الأمن الغذائي والاستقرار الاجتماعي. لم تعد المسألة تقتصر على انخفاض مناسيب نهري دجلة والفرات، بل تطورت لتصبح أزمة مركبة تضم ضغوطات من دول الجوار، والتغيرات المناخية، وسوء إدارة الموارد. تضاربت التوقعات البحثية حول خزينة المياه الاستراتيجية التي وصلت لمستويات نادرة، مما يعكس هشاشة النظام المائي في مواجهة تلك التحديات المتزايدة. تشير المعطيات السياسية إلى أن هذه الأزمة تتجاوز كونها قضية بيئية لتصبح اختباراً حقيقياً لقدرة الدولة على الحفاظ على سيادتها وضمان استمرارية المجتمعات المحلية.

معضلة المياه وتأثيرها على الاستقرار الاجتماعي

على الصعيد الميداني، تتجلى آثار هذه الأزمة بوضوح في مختلف أنحاء العراق. ففي إقليم كردستان، عانت السدود والبرك المائية في قضاء كويسنجق من الجفاف، مما أدى إلى عدم وصول السدود لطاقتها الاستيعابية بسبب قلة الأمطار، مما أثر سلباً على حوالي 150 دونماً من الأراضي الزراعية. هذا النقص لم يقتصر على الزراعة بل شمل أيضاً الآبار الارتوازية والأنشطة السياحية، مما زاد من حدة الأزمة.

في جنوب العراق، اعتبر مختصون أن الأهوار تواجه كارثة إنسانية واقتصادية، حيث أدت حالات نفوق الجواميس وتقلص المسطحات المائية إلى فقدان مصدر رزق العائلات المحلية. ما يحدث هناك لا يمثل مجرد خسارة بيئية بل يشير إلى انهيار نظام ثقافي عرف به العراق كموقع للتراث العالمي.

وفي محافظة ذي قار، استمر النزوح من القرى الجنوبية، حيث اضطرت أكثر من 10 آلاف عائلة لترك مناطقها نتيجة للجفاف والنزاعات العشائرية، مما يجعل هذه الظاهرة واحدة من أكبر موجات النزوح البيئي في التاريخ الحديث للعراق.

وفقد العراق نحو مليون شجرة خلال العامين الماضيين نتيجة لممارسات بشرية وسوء إدارة المياه، مما أثر كذلك على الغطاء النباتي وقدرة المدن على مواجهة العواصف الرملية. الخبراء يؤكدون أن علاج هذه الأزمة يتطلب استراتيجيات طويلة الأمد تتجاوز الحلول السطحية.

أوضح الخبراء أن أزمة الجفاف في العراق تهدد الأمن الغذائي والاجتماعي، حيث تعاني الزراعة والإنتاج الحيواني من تداعيات هبوط المناسيب ونضوب الخزانات المائية. تشير التقديرات إلى أن هذه التداعيات تؤثر على سبل عيش ملايين العراقيين، مما يزيد من معدلات البطالة والنزوح.

توجه البرلمان العراقي نحو معالجة هذه الأزمة بعد تزايد الضغوط الشعبية، حيث انخفض معدل إطلاق المياه من نهري دجلة والفرات إلى مستويات خطيرة. تشير الطروحات القانونية إلى ضرورة إدراج موضوع المياه كمسألة عاجلة، وضرورة اتخاذ إجراء حكومي فعال لمواجهة التحديات التي تواجه الدولة والشعب.

لم يعد ملف المياه مقتصرًا على القضايا الداخلية، بل أصبح مسئلة تتعلق بالعلاقات الإقليمية والدولية، حيث يدعو بعض النواب إلى الانفتاح على مراكز دولية متخصصة في إدارة الموارد المائية. ومع ذلك، يبقى الدور التركي في هذا السياق معقداً ولا يتناسب مع الاحتياجات العراقية.

يشدد الخبراء على ضرورة اتخاذ موقف وطني موحد وتحويل ملف المياه إلى قضية سيادية، حيث أن الاستمرار في إدارة الأزمة بالطريقة القديمة سيزيد من اعتماد العراق على دول الجوار ويضعف قدرته التفاوضية. يتطلب الأمر بدلاً من ذلك إرادة سياسية قوية والاستثمار في الدبلوماسية الوطنية، لضمان حماية الموارد الأساسية وتحقيق استقرار اجتماعي واقتصادي مستدام.

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *