49 مليون طفل بين النازحين: الواقع القاسي مع حلول 2024

أصدر مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء تحليلًا جديدًا يتناول وضع التعليم في ظل الحروب والنزاعات، حيث أشار إلى أن السنوات الأخيرة شهدت تصعيدًا كبيرًا في الصراعات التي أثَّرت بشكل ملحوظ على المستوى العالمي، فمع بداية عام 2025، تدخل حروب أوكرانيا وغزة والسودان عامها الثالث أو الرابع، بينما فشلت جميع المحادثات بشأن السلام، وبرز تصعيد جديد في القتال شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية، بالإضافة إلى تكرار الاشتباكات بين القوى النووية في شبه القارة الهندية، وأيضًا استمرار الحروب الأهلية في دول مثل ميانمار.

يؤكد مركز المعلومات أن مؤشر السلام العالمي لعام 2025 كشف عن وجود نحو 59 صراعًا نشطًا وهو رقم يعد الأعلى منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية، إذ أنّ تداعيات هذه الصراعات لا تقتصر على الدول المتضررة فحسب، بل تمتد لتشمل جميع أنحاء العالم، مما أسفر عن خسائر بشرية فادحة ومعاناة إنسانية واسعة النطاق، فضلاً عن دمار هائل أسفر عن تدهور مقومات الحياة. وسط هذه الأوضاع، يتعرض التعليم، بوصفه حقًّا أساسياً، لأضرار جسيمة، حيث لا تقتصر الأمور على حرمان الأطفال من الحق في التعلم في أوقات الصراع، بل تتجاوز ذلك لتصبح عواقب الجهل والفقر إرثًا يتداول عبر الأجيال.

التعليم يُعتبر عنصرًا حيويًا لتحقيق التنمية المستدامة، فهو ليس وحيدًا في أهميته، بل يُعتبر أساسًا جميع الأهداف الأخرى التنموية، وفي السياق الاقتصادي، يسهم التعليم في إعداد قوى عاملة فاعلة قادرة على التعامل مع التحديات التكنولوجية وتحقيق الابتكار، بما يؤدي إلى رفع الإنتاجية وجذب الاستثمارات، وكذلك يُعزز النمو الاقتصادي المبني على المعرفة. وعلى الصعيد الاجتماعي، يسهم التعليم في تحقيق العدالة الاجتماعية وتمكين الفئات الهشة وتقليل معدلات الفقر، حيث تشير البيانات إلى أن كل سنة إضافية من التعليم تزيد من الأجر بالساعة بنسبة 9%. كما يعزز قيم التسامح والمواطنة والتي تعود بالنفع على بناء مجتمعات مستقرة ومتضامنة، بالإضافة إلى تأثيره الإيجابي في العدالة الاجتماعية، حيث أظهرت دراسات سابقة انخفاضًا في عدم المساواة عند الحصول على التعليم.

نظرًا لأهمية التعليم في حياة الأفراد، أصبح حقًا إنسانيًا معترفًا به بموجب القانون، إذ تتعهد الدول بالالتزام به وحمايته دون تمييز، ويتضمن هذا الحق مجموعة من الحقوق الأساسية مثل التعليم الابتدائي المجاني والإلزامي، وإمكانية الوصول للتعليم الثانوي، وتكافؤ الفرص في التعليم العالي، بالإضافة إلى حق الأفراد الذين لم يتلقوا التعليم الابتدائي، وفي الفترة ما بين 2010 إلى 2022، بلغ متوسط إنفاق الحكومة على التعليم نحو 4.2% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي.

تشير التقارير إلى أن الحروب تمثل تهديدًا خطيرًا للتعليم، حيث تؤثر بشكل مباشر على البنية التحتية للمدارس، وتُدمر مستقبل الأجيال، ولا تقتصر آثارها على الأزمات العارضة فقط، إذ أن إغلاق المدارس خلال جائحة كورونا حرم مليار طفل من التعليم لسنة كاملة، مما ترتب عليه خسائر اقتصادية تُقدَّر بحوالي 21 تريليون دولار. وتستمر التحديات في أعقاب تلك الأزمات، حيث يعيش واحد من كل ستة أطفال في مناطق النزاعات، ويُمثل هذا وضعًا مقلقًا ويُلقي بظلاله على مستقبل التعليم.

تتجلى آثار الصراعات في عدة جوانب مثل:

– التدمير المباشر للبنى التحتية التعليمية: يتعرض الكثير من المدارس والجامعات للقصف أو التحويل لملاجئ، مما يهدد سلامتها ووضعها الأمني، وقد تم تسجيل حوالي 6 آلاف اعتداء على المؤسسات التعليمية بين عامي 2022 و2023 بزيادة ملحوظة مقارنة بالسنوات السابقة.

– نقص أو انخفاض الإنفاق الحكومي على التعليم: حيث تُحوَّل الموارد إلى المجهود الحربي لتصل إلى نحو 73% من الإنفاق الحكومي، مما يُجعل الانفاق على التعليم في أدنى المستويات.

– التأثير النفسي الصعب على الأطفال: فالحروب والنزاعات تؤدي إلى فقدان الأرواح والأهلّ والعنف، مما يتسبب في صدمات نفسية لطفل واحد من كل خمسة أطفال.

تُظهر التقارير أن الفتيات يتحملن العبء الأكبر من هذا الصراع، حيث يتعرضن أكثر لخطر التسرب من التعليم، إذ يوضح التقرير أن العديد من الفتيات لا يُتاح لهن التعليم بسبب الظروف الأمنية المضطربة، مما يهدد فرصهن في اكتساب مهارات المستقبل.

وبالطبع، يتطلب التعامل مع هذه النتائج تعهدًا فعالًا لحماية التعليم في سياق النزاعات، فعدم الوصول للتعليم يُمثل تحديًا إنسانيًا واستثماريًا للسلام والنمو المستدام، حيث أن الأجيال التي تفتقر للتعليم ستواجه صعوبة في بناء مستقبل أفضل.

من هنا، تتجه جهود عالمية للحد من تلك المخاطر، حيث يتطلب الإطار القانوني دعم وتعزيز الحق في التعليم في مناطق النزاعات، بالإضافة إلى أهمية المتابعة والرصد لضمان حقوق الأطفال.

تستخدم المبادرات التنفيذية مثل التعليم في حالات الطوارئ من قبل وكالات الأمم المتحدة لمنح فرص تعليمية آمنة، وتُبذل الجهود في بناء وتهيئة المدارس المتضررة، كما يُعتبر صندوق «التعليم لا ينتظر» سبيلًا لدعم التعليم للفئات المعرضة للخطر، مع التأكيد على ضرورة زيادة الاستثمارات في التعليم من أجل الوصول لمستقبل أفضل.

ختامًا، يُعد الحق في التعليم حقًا إنسانيًا عالميًا، ومع ذلك يحتاج إلى جهود حثيثة لضمان تحقيقه في جميع الظروف، حيث ينبغي تعزيز القوانين والآليات لضمان استمرار التعليم كحق ثابت بعيدًا عن تأثيرات الصراعات، وليس كبند تحت وطأة الحرب.

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *