
البحث يتناول احترام اتفاق وقف النار وتنفيذ بنوده. والمخاض الصعب لازالة احتلال إسرائيل للنقاط التي لا تزال تحتلها في جنوب لبنان بالاضافة الى استمرار الخلافات حول الحدود تجعل صعباً ان لم يكن يقارب الاستحالة الحديث عن التطبيع في المدى المنظور على الاقل. كان السؤال دوماً حول المدى الذي يمكن ان يذهب اليه لبنان في اتجاه “سلام” محتمل مع اسرائيل لا يشكل تطبيعا ضرورة، ويشمل سوريا ولبنان معا على خلفية جملة اعتبارات قد يكون ابرزها ذلك التلازم الذي احدثه في شكل خاص النظام السوري السابق مع الاسدين الاب والابن حول ما كان يطلق عليه “وحدة المسار والمصير “. كانت الصورة متشائمة في الغالب انطلاقا من ان لكل من سوريا ولبنان تاريخا من العداء الطويل مع اسرائيل على عكس الدول الخليجية والعربية الاخرى بالاضافة الى واقع ان التركيبة السياسية والمعارضة في كلا البلدين ستعيق اي محاولة في هذا الاتجاه وتربك الحكم القائم في كل منهما. خلال جولات الوساطة التي قام بها الموفدون الاميركيون الى لبنان منذ ما بعد انطلاق العهد الحالي، لم يأت احدهم على ذكر التطبيع او احتمالاته بين لبنان واسرائيل على رغم جولات سياسية اعلاميا رافضة استباقيا اي مسعى من هذا النوع في اطار التحريض او شيطنة الوساطة الهادفة الى نزع سلاح ” حزب الله”، وردا في الواقع على موقف للموفد الاميركي الى المنطقة ستيف ويتكوف في اذار الماضي من ” إن تطبيع العلاقات الإسرائيلية مع سوريا ولبنان أصبح احتمالاً حقيقياً “. وهو موقف متمم لما كان اعلنه في شباط الماضي من “إمكانية التطبيع بين لبنان وسوريا، قائلاً: “يمكن للبنان أن يحشد قواه وينضم إلى اتفاقات أبراهام للسلام، كما هي الحال مع سوريا “. الا انه كان لافتا جدا رمي الموفد الاميركي الى لبنان توم براك ما يعتبر كرة ملتهبة في الملعب اللبناني حين قال في تموز الماضي في اعقاب جولته في لبنان انه” لمس في اجتماعاته استعداداً لبنانياً للتطبيع مع إسرائيل، ولكنَّ هذا الكلام لم يسمعه من المسؤولين” فموقف الحكومة سيكون دائماً أننا لا نتحدث حتى مع إسرائيل “. وهذا بالمناسبة ما كان قاله رئيس الحكومة نواف سلام تعليقا على تحريف احد مواقفه في هذا الاطار بقوله” أن لبنان يلتزم بالثوابت العربية وأن أي تطبيع لا يمكن أن يأتي إلا بعد قيام الدولة الفلسطينية وليس مجرد الاتفاق على مسار”. عناصر من الجيش الإسرائيلي (انترنت). ويتفق كثر على أن الولايات المتحدة تدرك جيداً عجز لبنان راهناً على التطبيع مع اسرائيل من دون أن يمنع ذلك تطلعها إلى ذلك كهدف نهائي يحققه الرئيس دونالد ترامب قبل نهاية ولايته الرئاسية. وحتى الآن لم ير لبنان نفسه في موقع مرتبك أو محرج إزاء هذا الأمر فيما يتعثر في تطبيق ما تعهد به لجهة ضمان حصرية السلاح في يد الدولة اللبنانية وهي الترجمة الحرفية لنزع سلاح “حزب الله” في ظل مراعاة بالغة من الدولة عدم استفزاز الحزب باستخدام تعبير مماثل. لكنه راقب ويراقب بحذر ما يجري من سلوك النظام السوري من دون أي رد فعل على الاطلاق. اسبوع واحد فقط بين قصف اسرائيل قصر الرئاسة ووزارة الدفاع في دمشق في 16 تموز توازياً مع احداث السويداء فصل عن اجتماع غير مسبوق عقد بين وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني ووزير الشؤون الاستراتيجية الإسرائيلي رون ديرمر في باريس برعاية الموفد الاميركي الى سوريا السفير في تركيا توم براك . والمؤشر الاهم الذي رافق ذلك كان منتدى سعودي سوري عقد في سوريا تزامنا مع هذا الاجتماع خلص الى استثمارات سعودية بما يوازي 7 مليارات دولار، ما يعني ان سلوك النظام السوري على هذا المستوى الخارجي يجد قبولا وعدم معارضة. في المقابل التزم حلفاء النظام السوري الجديد في لبنان كما معارضوه أي “حزب الله” بصمت لافت ازاء الانفتاح السوري على اسرائيل الذي باتت تتوالى فصوله باجتماعات يعلن عنها بين وزير الخارجية السوري اسعد الشيباني والوزير الاسرائيلي رون ديرمر برعاية اميركية. ما يحدث في سوريا ومعها ليس ضرورة ان يبقى هناك. قد لا يصل الامر سريعا الى حد التطبيع بين البلدين ولكن التطبيع قد يكون في الافق غير البعيد نسبيا ومفاعليه على لبنان، سواء جارى سوريا ام لم يجاريها، ستكون بالغة اذا (واذا كبيرة) نجت سوريا من العنف الطائفي والتصدع الوطني الذي هزها في العمق مع احداث السويداء في تموز الماضي. اذ ان الاتفاقات الامنية وسواها التي سيبدأ بها النظام السوري مع اسرائيل ستطبق بقوة بمثابة كماشة على خناق “حزب الله” في شكل اساسي وتقيد هامش لبنان اذا لم يبادر الى استراتيجية الاستفادة من الدفع الاميركي والسعودي في شكل اساسي بالاضافة الى الدعم الفرنسي الذي وفر للبنان خرائط تعود الى زمن الانتداب وما قبله من اجل ترسيم الحدود بين سوريا ولبنان في الدرجة الاولى. وهذه الكماشة تضع لبنان عمليا بين جارين متفقين يمتدان على طول حدوده البرية فيما هو في عزلة الى حد ما ولا نافذة امامه سوى البحر، من دون ان يعني ذلك وجوب اندفاعه في اتجاه التطبيع، ولكن وضعه سيكون صعباً.