أفريقيا تعتمد على «الاستثمار الخاص» لتعويض تراجع الدعم الغربي

أفريقيا تعتمد على «الاستثمار الخاص» لتعويض تراجع الدعم الغربي

المؤسسات الأفريقية تمثل 19% من البنوك التنموية عالمياً لكنها تدير 1% من أصول بـ23 تريليون دولار

عندما يتولى سيدى ولد طه رئاسة بنك التنمية الأفريقى فى سبتمبر المقبل، ستكون أولى مهامه الكبرى جذب رأس المال الخاص لتعويض تراجع المانحين الغربيين عن تمويل القارة، وهى مهمة حصلت بالفعل على دفعة غير مباشرة من الرئيس الأمريكى دونالد ترامب.

ففى مايو الماضي، وقبيل انتخاب وزير المالية الموريتانى السابق، أعلنت الإدارة الأمريكية عزمها خفض أكثر من 550 مليون دولار من تمويلها للبنك، بما فى ذلك وقف دعمها كلياً لصندوق التنمية الأفريقي، الذراع المخصصة لتقديم المنح والقروض الميسرة لأفقر دول القارة.

وبالتزامن مع خفض المساعدات من المملكة المتحدة وألمانيا ودول أخرى، أجبر القرار الأمريكي، الصندوق على تقليص خطته الرامية إلى جمع رأسمال قدره 25 مليار دولار هذا العام، لكنه فى الوقت نفسه دفعه إلى خطوة تاريخية جديدة، إذ أعلن فى يوليو أنه سيطرح سندات للمستثمرين العالميين لأول مرة بدءاً من عام 2027، بمعدل 5 مليارات دولار كل ثلاث سنوات.

وبذلك ينضم الصندوق إلى مجموعة صغيرة لكنها متنامية من المقرضين العموميين الأفارقة الذين يسعون إلى تنويع مصادر تمويلهم عبر الأسواق، رغم الشكوك المحيطة بقدرتهم على توسيع نطاق هذه الإصدارات.

وبينما يُعد بنك التنمية الأفريقى لاعباً قديماً فى أسواق السندات، يبقى الأمر أكثر صعوبة بالنسبة لصناديق مثل صندوق التنمية الأفريقى التى تمول دولاً متعثرة أو غارقة فى الصراعات مقابل عوائد محدودة.

ومؤسسة شبيهة ضمن مجموعة البنك الدولي، وهى المؤسسة الدولية للتنمية، بدأت هى الأخرى فى بيع السندات عام 2018، وما زالت مثل الصندوق بحاجة إلى ضخ مستمر فى رأس المال، بحسب ما نقلته صحيفة «فاينانشيال تايمز» البريطانية.

يوضح كريس همفرى، الخبير فى تمويل التنمية لدى مركز الأبحاث «أو دى أي»: «المعضلة أن هذه المؤسسات تقترض وفق أسعار السوق، بينما تُقرض بشروط تفضيلية، وهو ما يضعها فى موقف صعب. وكلما توسعت فى إصدار السندات، وجد المانحون فرصة للتنصل ويقولون: لماذا لا تصدرون المزيد بأنفسكم؟».

وخلال الأعوام السابقة، كان كل دولار من التمويل الأمريكى يفتح الباب أمام 15 إلى 16 دولاراً إضافياً من مصادر أخرى لصالح صندوق التنمية الأفريقي، وفق وزارة الخزانة الأمريكية.

إلا أن ارتفاع تكاليف التمويل عبر الأسواق يفرض ضغوطاً لتحويل المنح إلى قروض ورفع الفائدة، رغم أن عدداً متزايداً من الدول يواجه أزمات مديونية متفاقمة.

رغم هذه التحديات، فإن الصندوق يتمتع بوضع أفضل نسبياً للولوج إلى الأسواق، إذ سيستفيد من تصنيف البنك الأم «AAA» كدائن مفضل يُسدد قبل المقرضين التجاريين، تماماً كالبنك الدولي، شرط موافقة المساهمين على تعديل الميثاق بما يسمح ببيع السندات.

لكن بعيداً عن هذا التصنيف المتميز، أخفقت مؤسسات أفريقية أخرى سريعة النمو فى نيل صفة الدائن المفضل خلال أزمات ديون فى غانا وزامبيا ومالاوي.

فقد رفض «أفريكسيم بنك» الذى يتخذ من القاهرة مقراً له إدراج قروضه ضمن عملية إعادة هيكلة ديون غانا، فيما أكد بنك التجارة والتنمية أن قروض تمويل التجارة لم يكن ينبغى إدراجها فى عملية إعادة جدولة ديون زامبيا.

ورغم إصدارهما سندات فى السنوات الأخيرة لتوسيع الإقراض، فإن وضعهما الائتمانى غير المحسوم يعرقل فرصهما فى دخول الأسواق حالياً، خاصة بالنسبة لـ«أفريكسيم بنك»، وفق أحد المستثمرين.

بيانات منصة «فاينانس إن كومون» تشير إلى أن المؤسسات الأفريقية تشكل 19% من البنوك التنموية الوطنية والإقليمية والمتعددة الأطراف على مستوى العالم، لكنها لا تدير سوى أقل من 1% من إجمالى الأصول العالمية البالغة 23 تريليون دولار.

ومن بين أكثر من 530 بنك ومؤسسة تنموية نشطة حول العالم، لا يتجاوز عدد من يستخدم الأسواق بانتظام لبيع السندات أو نقل المخاطر للقطاع الخاص نحو مئة مؤسسة فقط.

ويقول ريمى ريو، رئيس الوكالة الفرنسية للتنمية ورئيس «فاينانس إن كومون»: «خبرات هذه المؤسسات ضرورية لأن المساعدات الخارجية تتراجع، وأسواق المال باتت أساسية لتحقيق أهداف التنمية المستدامة».

ويتوقع ريو مضاعفة عدد المؤسسات القادرة على دخول الأسواق فى غضون خمس سنوات إذا جرى توحيد معايير الإصدار وتوسيع نطاقه، مشدداً على أن عالم البنوك التنموية ظل مجزأً لفترة طويلة.

وقد سبقت بعض المؤسسات الأفريقية نظيراتها فى العالم الغنى بطرح أدوات رأسمال هجين تشبه الأسهم، مثل إصدار تاريخى لبنك التنمية الأفريقى العام الماضي.

وفى عام 2018، ابتكر البنك ما يُعرف بالتوريق الاصطناعي، حيث باع جزءاً من مخاطر محفظة قروض للقطاع الخاص لمستثمرين، مع الاحتفاظ بالقروض فى ميزانيته، وهى خطوة سبقت مؤسسات أوروبية وأميركية اعتمدت الآلية نفسها لاحقاً.

هذا النوع من الصفقات يجذب كبار المستثمرين المؤسسيين الباحثين عن عوائد أعلى من الأسواق العامة، ما يجعله فرصة مشتركة.

يقول برامول دهوان، رئيس قسم ديون الأسواق الناشئة لدى شركة إدارة السندات «بيمكو»، إن «وكالات تمويل التنمية تواجه قيوداً على ميزانياتها العمومية، لكنها ترغب فى زيادة الإقراض عبر الأسواق الناشئة».

وأضاف: «فى بيمكو، نحن بحاجة إلى أصول، لكن لدينا ميزانية عمومية قوية. أما مؤسسات تمويل التنمية فلديها الأصول لكنها بحاجة إلى ميزانية عمومية أكبر. هناك تكامل طبيعى بيننا وبين أكبر وكالات تمويل التنمية متعددة الأطراف. ونتطلع بشدة للتوسع معهم».

ويرى همفرى أن هذه الصفقات لتقاسم المخاطر تمثل «مستقبل الإقراض للقطاع الخاص»، لكنها أقل جدوى عند إقراض الحكومات.

ومع ذلك، يظل هناك تساؤل حول مدى قدرة هذه المؤسسات على نقل المخاطر دون تقويض وضعها كدائن مفضل، وهى مكانة تستند إلى ملكيتها العامة وقدرتها على الإقراض بشروط ميسرة.

ويختتم همفرى بالقول: «لا بد أن نتساءل عما سيحدث إذا بدأت هذه المؤسسات فى تنفيذ عمليات نقل المخاطر على نطاق واسع، فقد يتساءل الدائنون الآخرون عن سبب حماية هذه القروض؟»

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *