نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
عمامة الأمير السيد عبدالله التنوخي الخضراء ورمزيتها في تقاليد أشراف الشام - مصدرنا الإخبارى, اليوم الجمعة 22 أغسطس 2025 01:48 صباحاً
مصدرنا الإخبارى - د. حسان زين الدين*
يُعدّ الأمير التنوخي جمال الدين عبد الله (820-884هـ/1417-1479م) أبرز شخصية إصلاحية في تاريخ طائفة المسلمين الموحدين الدروز بعد مؤسسي المذهب، إذ كُلِّلَت مرجعيته الروحية بالإجماع في مواطنها، من فلسطين إلى جبل السمّاق في بلاد حلب.
تواترت الروايات حول منحِهِ في دمشق لقباً يُختصّ به آل بيت النبي (ص) وهو لقب "السيد"، وإلباسه العمامة الخضراء، يُبيّن هذا المقال رمزية ذلك في تقاليد نقابة السادة الأشراف في الشام، ويلقي الضوء على ظروف أوجبت هذا الامتياز، وذلك بعد نحو قرن من فتوى ابن تيمية الشهيرة.
ويعود هذا الاستحقاق إلى عاملين أساسيين: أولهما انتسابه الروحي إلى الدوحة الفاطمية، وثانيهما ريادته النموذجية في التحقق الذاتي بأبعاد الشخصية الإسلامية الجامعة وتطبيقه لروح الشريعة في البلاد الشامية. وقد انعكس ذلك في اتساع مرجعيته الفقهية وقيادته لحركة إصلاحية ذات أبعاد اجتماعية ثقافية تركت أثرها بين المسلمين الموحدين الدروز وتلامذته في دمشق، وكان في عِدادهم مريدون من الأشراف. ويذكر علاء الدين بن أحمد بن شهاب الدين الدمشقي الحسيني (ت. 911هـ/ 1505م) أن الأمير إمام ومرجع فقهي، وذلك وفق ما ورد في نهر الجمان (ص 22).
أما رواية "تعميمه"، فقد وردت في مخطوطات وسِيَر تُشير إلى أنَّ آل الحسيني في دمشق هم الذين لقّبوه بـ"السيد". وتؤكد ذلك مخطوطة محفوظة لدى الشيخ يوسف الخطيب من بلدة قلعة جندل السورية، وتنصّ على أن مسلمي دمشق سودوا التنوخي وألبسوه "السيدة" الخضراء تقديراً "لتبحره بالعلوم الدينية والفقهية وورعه وزهده وسموّ أخلاقه"، وذلك بحسب فؤاد أبو زكي (الأمير السيّد جمال الدين عبدالله التنّوخيّ: سيرته – أدبه"، (أطروحة دكتوراه، 2002، ص 216). كما يُذكر أن أحد نقباء الاشراف من آل الحمزاوي اجتمع مع علماء دمشق وأعيانها وأشرافها على تتويجه بالعمامة الخضراء (نهر الجمان، ص 75).
لكن متى كان مِن شأن آل البيت التعمّم بالأخضر؟ لا يمكن الجزم برواية اعتمام النبي (ص) بعمامة خضراء، غير أن أهل بيته انتهجوا ذلك، ثم أصبح اللون رمزاً للسادة الأشراف. حتى إن الخليفة العباسي المأمون حين ولّى الإمام علي الرضا ولاية العهد عام 201هـ/816م، خلع السواد وارتدى الخضرة. وفي العهد الفاطمي ارتداه الخليفة المعزّ لدين الله، وكذلك أُلبِسَ نقيب الطالبيين في الفسطاط رداءً وعمامةً خضراءَ عندَ فتح مصر، بحسب ما يذكر المقريزي (اتعاظ الحنفا، ص132).
غير أن حضور الأخضر خفت في الدولتين الأيوبية والمملوكية، إلى أن أعاده الملك الأشرف شعبان (ت. 778هـ/1377م)، إذ أمر الأشراف والسادة بأن يضعوا علامة خضراء في عمائمهم، ربما توسيعاً لقاعدته الشعبية. وظلّت العمامة الخضراء شعاراً لآل البيت في بلدان عدّة دون التزام عام بها. وفيما رأى بعض علماء السنّة في ذلك مظهر فخر يجب الترفّع عنه، اعتبره آخرون تشريفاً وإشارة إلى لباس أهل الجنّة، حتى إنَّ بعض ولاة العثمانيين من الأشراف، مثل محمد باشا في مصر (1595م)، ارتدوها وأمروا الأشراف بالتعمّم بها.
من هنا تندرج عمامة السيد عبد الله التنوخي في إطار تقليد إسلامي طويل حمل دلالات دينية واجتماعية، وأكسبه موقعاً مميزاً في الذاكرة الإسلامية العامة بصفته متولّياً لنقابة الأشراف في دمشق.
*دكتوراه في التاريخ الوسيط، باحث وروائي لبناني.
-المقاربة الواردة لا تعكس بالضرورة رأي مجموعة "النهار" الإعلامية.
0 تعليق