رسول أف يروي لـ"النهار" هروبه من إيران: نظرتُ إلى الخلف ولوهلة فكّرتُ في العودة! - مصدرنا الإخبارى

النشرة (لبنان) 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
رسول أف يروي لـ"النهار" هروبه من إيران: نظرتُ إلى الخلف ولوهلة فكّرتُ في العودة! - مصدرنا الإخبارى, اليوم الأحد 24 أغسطس 2025 10:24 مساءً

مصدرنا الإخبارى - دخل المخرج الإيراني محمد رسول أف، 52 عاماً، إحدى قاعات المقر الرئيسي لمهرجان لوكارنو السينمائي، في قلب المدينة السويسرية الهادئة، تسبقه خطوات المترجمة الإيطالية التي ستتولّى طوال نصف ساعة نقل كلماته إلينا بلغة مفهومة. أما نحن، الصحافيين الثلاثة، فقد جلسنا نترقّب، وكلٌّ منّا يُنصت إلى صوته بالفارسية، تلك اللغة التي تحمل في نبراتها ظلالاً من العربية، ما يجعل بعض مفرداتها تلامس أذني بألفةٍ مألوفة أكثر من زميليّ.

نحن هنا، في لوكارنو، حيث مُنح صاحب فيلم "لا يوجد شيطان" الفائز بـ"دبّ" برلين، جائزة السلام، وها إننا نلتقيه مجدداً — هذا اللقاء هو الثالث لي معه — وكل منّا يحمل في جعبته مجموعة من الأسئلة، نطرحها تباعاً على هذا الفنّان الذي صار رمزاً للمقاومة، وصوتاً جريئاً في وجه القمع، ومعارضة النظام الديني المتشدّد في طهران.

 

مع جائزة السلام.

 

رسول أف، الذي وجد نفسه مضطراً للفرار من بلده، بعدما ضاقت به السبل وبلغ الخطر ذروته. رحلة طويلة من الملاحقة والرقابة والتضييق والمنع والسجن، بدأت في 2010 وانتهت بخروجه من إيران، في أيار من العام الماضي، خلال مهرجان كانّ، حيث كان المجتمع السينمائي يترقّب عرض فيلمه "بذرة التين المقدّس" ضمن المسابقة. وقد وصل آنذاك إلى فرنسا بعد رحلة هروب شاقة، عبَر خلالها من الشرق إلى الغرب، بحثاً عن حرية طالما حرم منها في وطنه. اليوم، يقيم رسول أف في ألمانيا، وقد أصبحت أوروبا، موقتاً على الأقل، محطته الجديدة في نضاله الفنّي والإنساني.

كانت في جعبتي دزينتان من الأسئلة، لكن الوقت لم يسعفني لطرحها جميعاً. في طبيعة الحال، حين يجلس الصحافي في مواجهة فنان أُرغم على مغادرة وطنه، هرباً من الظلم، باحثاً عن ملاذ جديد يحتضنه، فإن أول ما يتبادر إلى ذهنه هو سؤال المنفى: هل يعتبر نفسه منفياً؟ ما هي ملامح هذا المنفى، وتحدياته الخفية؟

لكن محمد رسول أف لا يجيب بنعم أو لا. فالأمر عنده أعقد من اختزال ثنائي. يلتقط السؤال، ليجيب بعد لحظة تأمل: "أعتقد أن المسألة بالنسبة لي أشبه باختيار بين نوعين مختلفين من السجن. بمعنى ما، كان يمكنني البقاء في إيران، محاطاً بالكثير من القيود وقليل من الأمان، أو أن أكون هنا، في الغرب، حيث الأمان أكبر، لكن لا تزال هناك قيود من نوع آخر. أظن أن الحرية، في جوهرها، مفهوم جماعي. لذا، رغم أنني أتمتّع هنا ببعض الحريات الفردية، فأنني أشعر بفقدان الحرية الجماعية، تلك التي أؤمن بأنها وحدها قادرة على منحي سعادة حقيقية. هناك دائماً، في كلّ لحظة، تفاصيل يومية صغيرة تعيدني ذهنياً إلى إيران. حتى كوب الماء الموضوع أمامي الآن، يذكّرني بأن الناس في بلادي عاجزون عن الوصول إلى مياه شرب نظيفة، بسبب إهمال النظام وفساده". 

 

”لا يوجد شيطان“ الفائز بـ“دبّ“ برلين عام 2020.

”لا يوجد شيطان“ الفائز بـ“دبّ“ برلين عام 2020.

 

في حديثه، بدا رسول أف وكأنه يعيش بين عالمين: واحدٌ يمدّه بالأمان، وآخر يسكن وجدانه. منفاه ليس مجرد انتقال جغرافي، انه صراع داخلي بين ذاكرة لا تهدأ، وحاضر لا يمنحه كامل الطمأنينة.

حين طرح عليه الزميل الإيطالي سؤالاً بدا لي، لوهلة، ساذجاً وربما عبثياً — "هل تفكّر في العودة إلى إيران؟" — فاجأنا رسول أف بإجابة صادمة، صادقة، ومفاجئة في بساطتها: "أوه، أفكّر في ذلك دائماً. حتى وأنا أغادرها، كنت أفكّر في العودة. حرفياً، هناك، على الحدود، بين الجبال، كنت أنظر خلفي نحو إيران وأفكّر: هل أعود؟ المسألة بالنسبة لي مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بفكرة المقاومة، وبمعنى أن تقف في وجه الظلم. عندما كنت في السجن، كنت أطرح على نفسي هذا السؤال باستمرار: هل تُجسَّد المقاومة في البقاء داخل إيران، حتى لو كنت مخرجاً عاجزاً عن العمل، محاصراً خلف القضبان؟ أم أن شكلها الأصدق هو أن أغادر، وأن أواصل صناعة الأفلام، وأُبقي صوتي حياً في الخارج؟ الخياران كلاهما يحملان بذور المقاومة، ولكن هذا السؤال لا يزال عالقاً في داخلي. لم أتوصّل إلى إجابة نهائية بعد، وما زلت أُعيد التفكير فيه". 

من خلال اللقاء، بدا لي أن رسول أف لم يخرج من إيران بالكامل. جزء منه بقي هناك، هناك تماماً، في تلك النظرة الأخيرة التي ألقاها فوق كتفه، وهو يعبر الجبال. فهو، وإن كان حاضراً بالجسد في أوروبا، إلا أن ذهنه لا يزال مقيماً في إيران. لا يخفي ذلك، بل يصرّ عليه، مؤكّداً أن خروجه من البلاد لم يكن قطيعة داخلية، ولم يكن رغبة في إنهاء علاقة راسخة، عميقة، مع وطن كان مصدر إلهامه، ومنبع فنّه: "القيود التي أعيشها هنا لا تتعلّق بالأنظمة أو القوانين، بل برغبتي العميقة في صناعة أفلام في بلدي، بلغتي، عن شعبي. لكن بسبب وجودي هنا، لا يمكنني ذلك. وهذا هو القيد الحقيقي". 

 

فنّان تحدّى نظام بلاده المتشدّد.

فنّان تحدّى نظام بلاده المتشدّد.

 

في حديثه، يبدو رسول أف أشبه بمَن يحمل وطنه في أحشائه. مشكلته، ككثيرين من الفنّانين الإيرانيين، وربما من جنسيات أخرى أيضاً، أن فنّه مشدود بجذور لا تنبت إلا في أرضه. تذكّرتُ هنا ما قاله عباس كيارستمي ذات مرة: "السينمائي مثل الشجرة، لا يُزهر إلا في ترابه". سألته: هل سيواصل إنجاز أفلام عن إيران، من مواقع جديدة؟ أم أن المنفى قد يفتح له أفقاً نحو قضايا اجتماعية مختلفة في أوروبا؟ جاء رده بلا تردّد، وإن بصيغة تأمّلية: "أسلوبي الفنّي مرتبط بتجاربي الشخصية. صحيح أن فكرة إنجاز شيء مختلف تماماً، سواء من حيث الشكل أو المضمون، قد تكون مغرية أحياناً، لكنني لا أعتقد أنني أرغب في السعي إلى تغيير راديكالي في الوقت الحالي. أولويتي الآن هي الحرية. ولا أعني حريتي الفردية فقط، بل الحرية الجماعية، حرية شعبي. أنا أؤمن بأن الشعور الحقيقي بالسعادة لا يأتي إلا من تحقّق أكبر للحرية الجماعية. لذلك، رغم أنني قد أفكّر أحياناً في إنجاز فيلم لا علاقة له بإيران، فإنني، في قرارة نفسي، مدفوع لمواصلة هذا الطريق الذي بدأته". 

يكشف رسول أف، في لحظة مصارحة، أنه يجلس اليوم أمام ثلاثة سيناريوات مكتملة، جاهزة على مكتبه. كلّ واحد منها، كما يقول، يمكن أن يكون عن إيران، لكنه في الوقت نفسه قابل للإسقاط على المجتمع الألماني، حيث يقيم الآن. هذه الازدواجية ليست مجرد خيار تقني أو فنّي، بل سؤال أخلاقي وجودي يطارده باستمرار. "السؤال الذي أطرحه على نفسي هو: ما الأهم بالنسبة لي الآن؟ أعلم أن أياً من هذه الأفلام قد يكون جيداً. بل، كما نقول بالفارسية: مي‌گيرد، أي أنه "يلامس الناس"، يلقى صدى واسعاً، يثير، يُحَّب. ومع ذلك، رغم كلّ شيء، أعتقد أن الحرية، نعم، الحرية، تظلّ الأولوية القصوى في هذه اللحظة. ما يثير إعجابي في هذه السيناريوات الثلاثة هو انها تحمل في طياتها قدرة حقيقية ووجدانية على مقاربة الألم الإنساني المشترك. الحزن الذي نتقاسمه، الجراح التي نعبر بها معاً كبشر. هذا ما يجعلني مشدوداً إليها بعمق. وحين أتمكّن، ولو موقّتاً، من أن أضع جانباً ما يجري في إيران، أجد في هذه المشاريع أهمية حقيقية، وتنبثق في داخلي حماسة صادقة تجاهها. لكن، في طبيعة الحال، عليّ أن أختار من بينها مشروعاً أبدأ به. وأقول لنفسي في لحظات التأمّل: انظر، الأوضاع في إيران لا تتغيّر بذلك الإيقاع المتسارع الذي يستوجب وجودك الدائم هناك كي تواكب التحوّلات. وفي أوروبا، تُتاح بالفعل فرص لصناعة أفلام تتناول مواضيع أشمل، إلا أن هذه ليست أولويتي القصوى. ولهذا، فأنا في حاجة إلى وقت، إلى مسافة تأمّلية، أستطيع عبرها أن أختار دون تسرّع. وكما قد تتخيل، الفرص في مجال السينما متوفّرة أمامي، لكنني لا أرغب في الانخراط في أي منها فقط لأنها مطروحة أمامي. أريد لما أختاره أن يكون امتداداً لما أؤمن به، لا مجرد استجابة لفرص عابرة". 

 

مع معلّمه جعفر بناهي في لوكارنو.

مع معلّمه جعفر بناهي في لوكارنو.

 

في لحظة ما، قادتني غريزتي الصحافية نحو الخيط الذي لا يمكن إغفاله: الرحلة. تلك التي سمعنا عنها بطريقة خجولة، وتحوّلت شيئاً فشيئاً إلى شبه أسطورة. فمتى يتسنّى لنا الجلوس وجهاً لوجه مع مَن عاش مغامرة كهذه، وخرج منها ليس فقط سالماً، بل حاملاً في جعبته فيلماً، وصوتاً، وقضية؟ أردت أن أسمع التفاصيل من المصدر الأول، من الشخص الذي عاش المغامرة لا مَن ينقلها عنه. فرسول أف، كما بدا لي، مغامر بكلّ ما تحمله الكلمة من معنى. حين سألته، ابتسم بهدوء، ثم قال: "عندما تفكّر في السجن، من السهل أن تركّز فقط على جوانبه السلبية. لكن ثمة أيضاً لحظات مضيئة — أشخاص رائعون التقيتُ بهم، ولا يزالون عالقين في ذاكرتي. كنت أعرف، في سري، أني إذا اضطررتُ يوماً إلى مغادرة إيران سراً، فسيكون هناك من يمكنني الاعتماد عليه. وعندما تأكّدتُ أنني أواجه حكماً بالسجن لسنوات طويلة، وفهمتُ أن دخولي السجن سيجعل من المستحيل إكمال "بذرة التين المقدّس"، قررتُ أن أغادر. كانت مغادرة إيران، حينها، ليست فقط وسيلتي لإنهاء الفيلم، إنما لإنقاذ عملي السينمائي من الانقطاع التام. اتصلتُ بشخص عرّفني إليه أصدقاء في السجن. وبفضله، خرجتُ من إيران سيراً على الأقدام، في رحلة طويلة جداً. لا أودّ الخوض في تفاصيل أكثر، ليس فقط حرصاً على سلامة البعض، بل لأن استرجاع التجربة لا يزال مؤلماً. ومع ذلك، حتى أثناء الرحيل، كان ذهني مشغولاً بفكرة العودة. لديّ ارتباط داخلي عميق بإيران، ارتباط يتجاوز العاطفة، هو علاقة جذرية، راسخة، لا تنفكّ. خلال الرحلة، كنت أضطر إلى التوقّف كلّ بضعة أيام للاختباء، والبقاء متخفياً لبعض الوقت، ثم الاتصال بالإنترنت كي أواصل العمل مع زملائي على مونتاج الفيلم. كنت منشغلاً بالفيلم إلى درجة أنني، في كثير من الأحيان، لم أكن أستوعب تماماً ما يحدث حولي، أو أتابع تفاصيل الرحلة جغرافياً. بقيتُ على تواصل دائم مع زملائي، كلّما توفّر لي الوصول إلى الإنترنت. استخدمنا اتصالات مؤمّنة تضمن عدم حدوث أي خرق أمني. وكنت في أماكن ما كان لأحد أن يتخيّل أنني فيها، خاصةً بعد عبوري الحدود إلى إحدى الدول المجاورة. لم يكن لدينا مؤلّف موسيقي مثلاً، لوضع اللحن، فرحتُ أبحث عن مؤلف موسيقى. ولم يتبقَّ سوى أسبوعين، لأن الفيلم كان على وشك أن يُعرض في كانّ. وكان فريق مختبر الـDCP (النسخة النهائية الرقمية للفيلم) يضغط علينا باستمرار: "نريد النسخة! نريد النسخة!…”، لكنّنا لم نكن مستعدين لتسليم الفيلم، لأننا كنّا نعرف أن الموسيقى يمكن أن تُحدث تأثيراً إيجابياً ضخماً في بعض المشاهد. انشغلتُ بالفيلم إلى درجة أنني، بطريقة ما، غبتُ ذهنياً عن الرحلة، عن واقع المنفى. وهذا الانشغال أنقذني جزئياً من ألم الوعي الكامل بما أمرّ به…“. 

نظراً لكونه يقيم في ألمانيا، أرادت الصحافية الألمانية التي ترافقنا، أن تستوضح ما إذا كان يشعر بالقلق حيال مستقبل أوروبا، لا سيما في ظلّ صعود اليمين المتطرف، حيث بات يمثّل القوى السياسية الكبرى، وقد يُتوقَّع فوزه في الانتخابات المقبلة. كان رده مباشراً وعاطفياً: "أوه، بالطبع، هذا أمر يقلقني بشدّة. لكن، في الوقت نفسه، أنا حذر جداً من الانخراط في مشاريع سينمائية لا أملك تجاهها معرفة حقيقية وعميقة. كمخرج، من الضروري أن تكون ملمّاً بموضوعك. في مثل هذه المواضيع، لا يكفي أن تتعاطف أو تتابع من بعيد، بل ينبغي كما نقول بالفارسية، أن 'تغمر نفسك' تماماً في القضية. أعتقد أن هناك مخرجين آخرين يستطيعون تناول هذا الموضوع بمهارة وصدق لأنهم نشأوا في هذا السياق، وتشكّلت رؤيتهم داخل هذا العالم. ولهذا، أجد أنه من غير المنطقي، بل ربما من الغرور، أن أتوهّم قدرتي على تناول مسألة مثل صعود اليمين المتطرف في ألمانيا، وأنا لم أعش بعد بما يكفي داخل تفاصيل هذا الواقع. إذا قررتُ فعل ذلك في المستقبل، فسأحتاج إلى وقت طويل: للبحث، للملاحظة، للحوار... وللغوص في التجربة، لا من أجل الحديث عنها، إنما لفهمها كما يجب". 

 

”بذرة التين المقدّس“.

”بذرة التين المقدّس“.

 

مع اقتراب نهاية الوقت المخصّص للمقابلة، وددتُ أن أتطرق إلى مسألة شائكة، كنت أعلم منذ البداية مدى حساسيتها بالنسبة له: الهجمة الأميركو-إسرائيلية الأخيرة على إيران. سؤال كهذا لا يُطرَح بخفّة، لا سيما حين يكون ضيفك إيرانياً، وأنت تدرك جيداً طبيعة الشخصية الإيرانية وتعقيد بنيتها العاطفية والسياسية. فحتى أشرس المعارضين للنظام في الداخل والخارج، غالباً ما يتوحدّون، وإن موقّتاً، حين يتعلّق الأمر بعدوان خارجي على بلادهم. ولهذا، آثرتُ أن أؤجّل السؤال حتى اللحظات الأخيرة، كي لا أثقل على مسار الحديث. وحسناً فعلتُ. فما إن طرحتُ السؤال، حتى تغيّر وجه رسول أف تماماً. المشاعر التي كان يكبتها طيلة اللقاء طفت فجأةً إلى السطح، ولم يتمكّن من حبس دموعه. تأثّره كان مفاجئاً واستثنائياً إلى حد دفع المترجمة إلى البكاء هي الأخرى. وفي تلك اللحظة، وجدنا أنفسنا نحن الثلاثة نحاول، بحرج، أن نلتقط أنفاسنا، وأن نمدّ يدنا نحو علبة المحارم كي نتابع ما تبقّى من الحديث. طلب رسول أف لحظة قصيرة ليستجمع قواه، ثم قال بصوت متهدّج: "كانت تجربة قاسية جداً... كنت أعمل حينها على عمل مسرحي مع ثلاث ممثّلات شابات من فريق "بذرة التين المقدّس"، كنّا نتهيّأ للعرض الأول، في خضّم محاولات معقّدة لحلّ مشاكل بيروقراطية كانت تواجههن في ألمانيا. وفجأةً، قبل نحو أسبوع من العرض، وقع الهجوم الإسرائيلي. حدث ذلك في ذروة البروفات. لقد كان الأمر مدمّراً على المستوى النفسي... ولا أظن أنني قادر اليوم على التعبير الكامل عن إحساسي تجاهه". 

ثم أضاف بنبرة متألمّة: "كلّ تغيير حقيقي في إيران، يجب أن ينبع من داخل المجتمع الإيراني. التغيير لا يُفرَض من الخارج. وأنت تعلم، كما يعلم كثيرون، أن المجتمع المدني الإيراني، لسنوات طويلة، حاول بكلّ ما أوتي من وعي وإرادة أن يمنع انزلاق البلاد نحو العنف أو الحرب. لكن ما حدث لم يكن مجرد ضربة موجّهة للنظام الإيراني، بل ضربة موجعة للمجتمع المدني، للناس، لأولئك الذين ظلّوا يحلمون بالتغيير من الداخل. إني مؤمن بأن اللحظة التاريخية التي يستطيع فيها الشعب الإيراني أن يحقّق مطالبه السياسية ستأتي، لكن لا أحد حتى الآن، بين كلّ القوى السياسية داخل المعارضة، يملك حقاً القدرة أو الشرعية لتمثيل هذا الشعب. كفنّان، كلّ ما يمكنني فعله هو أن أشهد هذه اللحظة، أن أراقب هذا الألم، أن أُفكّر فيه، أن أحتضنه في صمتي. هذا الشعور بالعجز، نشعر به جميعاً... ليس فقط تجاه إيران، بل تجاه غزة، وتجاه شعب إسرائيل أيضاً. السياسة أصبحت في الكثير من الأحيان أدوات لممارسة سلطة، لا للبحث عن حلول. تقسم الشعوب معسكرات، وتتركهم معلّقين في العدم. لا أعرف ما هو الحل. ما أعرفه فقط، هو أننا نريد أن نعيش بسلام. أما كيف نصل إلى ذلك، فهذا ما لم نعثر عليه بعد".

 

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق