نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
الجلسات العرفية.. القضاء شعبي وعدالة ناجزة - مصدرنا الإخبارى, اليوم الاثنين 25 أغسطس 2025 03:00 مساءً
مصدرنا الإخبارى - والجلسات العرفية. مجالس غير رسمية تُعقد بين أطراف النزاع بحضور محكّمين عرفيين من كبار العائلات أو الشخصيات ذات السمعة الطيبة. وتُستخدم لحل النزاعات التي يصعب أو يطول حلها عبر القضاء الرسمي. مثل قضايا الثأر. الشرف. النزاعات المالية. والاعتداءات.
تعتمد الجلسات العرفية. علي الأعراف والتقاليد المحلية. وليس علي القانون المدني أو الجنائي.
تلعب الجلسات العرفية دورا كبيرا في المجتمع المصري. وأبرز أدوارها ما يتعلق بفض الخصومات العائلية والقبلية. خاصة في الصعيد. حيث تُستخدم الجلسات العرفية لوقف نزيف الدم الناتج عن الثأر.
وللجلسات العرفية دور أيضا في الصلح في القضايا الجنائية. مثل القتل. السرقة. هتك العرض. إذ تُفرض ديات وغرامات مالية بدلًا من العقوبات القضائية. وهو ما يراه البعض مناسبا بدلا من تنفيذ العقوبات المنصوص عليها في قانون العقوبات.
تحسم الجلسات العرفية أيضا قضايا التحكيم في النزاعات العقارية والمالية. مثل الخلافات علي الأراضي أو الديون. ويتم فيها تعويض المتضرر أو إعادة الحق إليه.
تقام الجلسات العرفية باختيار عدد فردي من المحكّمين "3 أو 5 أو 7" حتي يكون الحكم النهائي بالأكثرية إن لم يكن بالإجماع.
تُفرض غرامات أو ديات. مثل دية القتل العمد التي قد تصل إلي 100 ناقة. وقيمتها تصل إلي 5 ملايين جنيه تقريبا.
في بعض الحالات. يُطلب من الجاني تقديم "الكفن" كرمزية للاعتراف بالخطأ. وترضية لأهلية المجني عليه.
ولا يُسمح بالطعن أو رفض الحكم. ويُنفذ فورًا. ما يجعلها "عدالة ناجزة" في نظر البعض.
في المقابل. هناك بعض الانتقادات لآلية عمل الجلسات العرفية. أبرزها عدم خضوعها لضمانات قانونية أو رقابة قضائية.
"الجمهورية أون لاين" ناقشت عددا من كبار محكمي الجلسات العرفية، وأحد أعضاء لجنة المصالحات بالأزهر الشريف، في السطور التالية.
رئيس الجلسات العرفية في المنوفية :
3 شروط لاختيار القاضي العرفي
الجلسة تبدأ بـ"القسم".. تقييم أقوال الطرفين.. والحكم بتغريم الطرف المخطئ
قضية نزاع علي أرض استمرت أمام المحاكم 23 عاما.. وانتهت في جلستين "عرفي"
الحاج عبد الهادي خليل. رئيس الجلسات العرفية في محافظة المنوفية. ورئيس لجنة فض المنازعات بنقابة الفلاحين. إنه يترأس الجلسات العرفية منذ 25 عاما تقريبا. موضحا أن الهدف من الجلسات العرفية فض المنازعات والخلافات. التي قد تستمر في القضاء لسنوات. وقد يترتب علي بعضها عواقب وخيمة. كاشفا عن كل من يتقاضي أموالًا مقابل التدخل لحل الأزمة أو القضية من عضوية المجلس العرفي.
قال الحاج عبد الهادي. إن رئيس الجلسة يُشترط أن يكون أكبر الأعضاء سنًا. ومتمرسًا في فض النزاعات ورئاسة الجلسات العرفية. ومشهودًا له باحترام أهل القرية التي ينتمي إليها.
أوضح أنه يتم التوقيع علي إيصالات أمانة من طرفي النزاع. قبل بدء الجلسة. للحفاظ علي انضباط الجلسة. وضمان عدم التعدي علي قوانينها. ولكي يلتزم الجميع حدودهم أثناء الجلسة. ويقوم جميع أطراف الجلسة بالتوقيع علي محضر "قبول تحكيم" ضمن الاشتراطات المُعلنة قبل بدء الجلسة العرفية.
تبدأ الجلسة العرفية "بالقسم". ثم تقييم أقوال الطرفين. ومن خلال أعضاء الجلسة يتم تقييم أخطاء كل طرف. وتُحدد مبالغ مالية "غرامة مالية مستحقة" للطرف المجني عليه أو أسرته.
وتابع: إذا تقاضي رئيس الجلسة أو أحد أعضائها أموالًا. فهو يُعد "محاميًا" يدافع عن طرف بعينه. وبالفعل تم عزل العديد من أعضاء المجالس بسبب ثبوت دفاعهم غير المبرر عن بعض الأطراف مقابل الأطراف الأخري.
أضاف أنه يتم التدخل في قضايا الدم. تحقيقًا للأمن والسلم بين العائلات. حتي بعد الحكم الجنائي علي أحد الطرفين. وبعد تنفيذ العقوبة. حتي لا يحدث أي تطورات.
وكشف عن أن إحدي القضايا حول نزاع علي قطعة أرض. استمرت في المحكمة لمدة تزيد عن 23 عامًا. وتم إنهاؤها عرفيا خلال جلستين فقط.
وكانت القصة تدور حول نزاع علي قطعة أرض. وتدخل القضاء في تسليم قطعة الأرض لصاحبها "ضمن الميراث" من المستحوذ عليها.
أوضح أن القضاء يتابع تأثير الجلسات العرفية في فضّ الخلافات والمنازعات. وبدأ الاعتراف بدور المجالس العرفية في حلّ القضايا وتحقيق السلم الاجتماعي والصلح بين الأطراف.
الشرع مرجعية تقدير الدية
أشار إلي أن تقدير "الدية" يكون حسب الشرع. ونحن نراعي الأحكام وفقًا للأزهر الشريف. الذي يمثل وجوده ركنًا أساسيًا من الجلسة العرفية في محافظة المنوفية. كما يُراعي في تقدير الدية الظروف الاقتصادية للبلاد وللجاني. وقدراته المادية وممتلكاته. وما يستطيع أن يقدمه لأهل المجني عليه. حتي يتمكن الجاني من تجميع المبلغ ويستفيد أهل المجني عليه. وبارتضاء الأطراف "أهل القرية وأهل المتوفي" الذين تم اختيارهم ممثلين لأهل المجني عليه. لتحلّ الأزمة بين العائلات والأسر.
أوضح أن قضايا القتل العمد مع الإصرار والترصد تصل الدية فيها إلي 100 ناقة أو ما يعادلها بالتقدير النقدي بالعملة أو الذهب أو الفضة. ويقدَّر سعر الناقة الواحدة بين 50إلي 60 ألف جنيه. وبالتالي قد تُقدَّر الدية للقتل العمد بما يتراوح بين 5 أو 6 ملايين جنيه مصري. وقُدِّرت هذه الدية في إحدي الجلسات العرفية بالفعل.
وفي جلسات أخري. قُدِّرت الدية بما ارتضي به الأطراف حقنًا للدماء. حسب ظروف الجاني وطبيعة القضية والحدث. وما تسبب فيه الجاني. ما جعله مستهدفًا للقضاء عليه. حيث تُقدَّر نسبة الخصم من الدية وفقًا لتقدير رئيس اللجنة والأعضاء.
وفي قضايا النصب والسرقة. لا بد من إجراء تحرّي عن الجاني وسمعته في القرية. وهل صاحب الواقعة سبق له وقائع نصب أو سرقة مماثلة. وهل قام صاحب الواقعة بإجراء "معاملة" مع صاحب السمعة السيئة رغم علمه وتغافله عن سمعته السيئة. سعيًا وراء المطامع المزعومة من قبل الجاني.
وحال لم يكن للجاني سمعة سيئة وكانت واقعة النصب هي الأولي. يتم إجراء محاولات لإحضار السارق وإلزامه بدفع المبلغ. أي رد الحقوق لأصحابها. مع فرض غرامة علي السارق أو النصاب. أو تسليمه للشرطة للسجن المدة المحكوم عليه بها.
وفي حالة عدم وجود الأموال وخسارتها من قبل الجاني. يكون "القانون" والمحكمة هما الفيصل بين الجاني والمجني عليهم. ما لم يتنازلا عن حقوقهما.
ويُوضع في الاعتبار عند فرض الدية والغرامة خصم خطأ "المجني عليه" من عدم تحري صدق الجاني.
أشار إلي أنه بالنسبة للقضايا الأسرية. مثل العنف الأسري. والطلاق. يتم تصنيف لجان "فضّ المنازعات" حسب طبيعة المشكلة. فمثلًا قضايا الشرف تُخلَي فيها الجلسة ويقتصر الحاضرون علي أطراف القضية فقط.
وهناك العديد من القضايا التي تتدخل الجلسات العرفية لفضّ المنازعات فيها. منها قضايا الإرث. إذ نقوم بإحضار أهل الدين والشرع لأخذ آرائهم. ونستفيد من الفتوي الشرعية في إصدار الحكم الخاص بالتشريع وتوزيع الإرث. كما يتم دعوة طرف آخر من أهل القانون "محامي أو مستشار قانوني" ليتم ضبط الإجراء الفعلي بعد إصدار الحكم. فمن خلال العرف والدين تكتمل الجلسة العرفية.
وهناك العديد من القضايا التي تم الاستعانة فيها بالأزهر الشريف لنطق الحكم. منها قضية تم أخذ رأي قضاء شبين الكوم فيها. وأعطي فيها القاضي قرارًا بإلزام القاضي العرفي بحل النزاع. وفي حالة فشل حل النزاع. يتم الحكم علي كل طرف بثلاث سنوات. وأصبح هناك انفتاح كبير من قبل الجهات الرسمية علي دور القضاء العرفي.
رئيس لجنة المصالحات بسوهاج:
الخصومات المرتبطة بالدم.. أخطر من الإرهاب
"الجنايات" خففت أحكام إعدام 31 متهما في قضية قتل بعد جلسة صلح عرفي
قال الدكتور أحمد حمادي. رئيس لجنة المصالحات بسوهاج ووكيل الأزهر الشريف. الذي عمل محكمًا في الجلسات العرفية لأكثر من 12 عاما. وحكم في أكثر من 50قضية. إن الخصومات السارية -المرتبطة بقضايا القتل- في محافظات الصعيد أخطر من الإرهاب. فقد تُزهق أرواح بريئة ليس لها علاقة بالخصومة. جراء النزاع بين الأطراف.
أشار إلي أنه تم اختيار لجنة في كل محافظة. علي صلة بوزارة الداخلية ومسؤوليها. من مديري الأمن وحتي مساعدي وزير الداخلية. بتوجيه من فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب. شيخ الأزهر. ويتم اختيار وكلاء وزارة الأزهر من محافظة سوهاج. ومن حق المحافظة اختيار من تراه مناسبًا.
أشار إلي أن من الشروط الواجب توافرها في محكم الجلسة العرفية أن تكون له كلمة مسموعة. وقد تكون له خبرة في مجال السياسة. أو يكون أحد أعضاء مجلس النواب أو الشوري.
ذكر أن أغلب القضايا التي تُعقد لها جلسات عرفية هي قضايا "الخصومات السارية". وهي الخصومات المرتبطة بقضايا القتل والمتعلقة بالدم. أما القضايا غير السارية. مثل قضايا النصب والشرف. فيتم التوقيع علي إقرار أو طلب للجنة مصالحات من الطرفين محل النزاع أو طلب لجنة مصالحات الأزهر الشريف بالتراضي والقبول بالحكم.
ولإنهاء الخصومة السارية. يتوجب إجراء الجلسة وتوقيع الطرفين. وألا يقل عدد المحكمين عن 5 أفراد من أصحاب الذمة المحمودة والسمعة الطيبة والكلمة المسموعة.
من أغرب القضايا التي قمت بتحكيمها. قضية في قرية "برديس". مركز البلينا. محافظة سوهاج. عام 2014. بدأت بخلاف بين أطفال من عائلتي النحلات والشيمي. وانتهت بـ11 قتيلا. وحُكم بالإعدام علي 31 شخصًا. وأخذت محكمة الجنايات بالصلح العرفي. وتم تخفيف الأحكام.
يُعد تقديم الكفن من أشد صور العار التي تلاحق من يقدمه. وهو الثوب الأبيض الملفوف علي ذراع من يتولي تسليمه. ويُعتبر بمثابة تقديم الدية في حق المقتول أو الضحية. إذ يرفض بعض الأهالي قبول التعويض المالي عن أبنائهم. ويكتفون بتقديم الكفن. الذي يُعد إذلالًا للجاني أمام أهل القرية.
إجراءات صارمة لتنظيم الجلسات العرفية.. وغرامات فورية علي المخالفين
مُحكم جلسات في أسوان والوادي الجديد:
دية العاهة المستديمة نصف "القتل العمد" وإلزام الجاني بتوفير عمل للمجني عليه
العقوبة المالية في قضايا الاختطاف تُحتسب بـ"المتر"
قال المستشار القانوني محمد مبارك الرشيدي. محكم الجلسات العرفية علي مدار 20 عامًا. إنه يعمل محاميًا بالنقض ومستشارًا قانونيًا للسفارة الليبية. ويُحكّم في جلسات عرفية بمحافظات أسوان وقنا وسوهاج والوادي الجديد.
أشار إلي أن شروط رئيس الجلسة العرفية. أن يكون قادرًا علي الفهم والتفهم لطبيعة القضية. وأن يمتلك ثقافة عامة واسعة في مختلف المجالات. وأن يتحلي بالصبر وقوة الشخصية. ويكون قادرًا علي تنفيذ الحكم الصادر عن الجلسة.
أضاف أنه قبل انعقاد الجلسة. يتم اختيار الأفراد والمحكمين وتحديد الوقت والكفلاء. وتتكون الجلسة من: رئيس الجلسة "القاضي العرفي". واثنين من الوكلاء "سماعة حق". وكفيل لطالب الجلسة وكفيل للخصم. وقد يزيد عدد الممثلين من كل طرف. واثنين "لسان" "محامي يتحدث باسم كل طرف". يتم اختيارهما من قبل صاحب الجلسة والخصم. وإذا تحدث شخص غير "اللسان" المخصص. تُفرض عليه غرامة 5 آلاف جنيه.
إجراءات الجلسة
يبدأ الحديث "طالب الجلسة" من خلال محاميه "اللسان". ويستمع الطرف الثاني دون مقاطعة. ثم يتحدث الطرف الثاني عبر "اللسان" الخاص به. ويُسمح للطرف الأول بالتعقيب مرة واحدة فقط. بعد ذلك. تُستمع أقوال الشهود وأهل الخبرة. وغالبًا ما يحضر الجلسة ممثلون عن القبيلة وأهل القرية. وتكون مفتوحة للجميع.
قضايا القتل "الدم"
أوضح المستشار محمد مبارك الرشيدي. أن الدية في حالات القتل العمد تُقدّر بحد أدني 100 ناقة. موزعة بالتساوي بين كبيرة ومتوسطة وصغيرة "33 لكل نوع". أما في حالات القتل الخطأ أو الحوادث التي ينتج عنها فقدان أحد أعضاء المجني عليه أو إصابته بعاهة مستديمة. فقد تصل الدية إلي نصف دية القتل العمد. أي ما يعادل 50 ناقة أو نحو 3 ملايين جنيه مصري. حسب نوع القضية.
الترضية في القتل الخطأ
ذكر أن الترضية في القتل الخطأ تشمل: تحمل كل مصاريف علاج المجني عليه. ودفع مبلغ مالي يُقدّره القاضي العرفي بالتشاور مع أهل المجني عليه. وإذا نتج عن الإصابة عاهة مستديمة. يُلزم الجاني بتوفير فرصة عمل مناسبة للمجني عليه.
تغليظ العقوبة في قضايا الخطف
قال المستشار الرشيدي إن العقوبة في قضايا الخطف قد تفوق عقوبة القتل. ففي إحدي القضايا. تم خطف أحد كبار العائلات من محافظة إلي أخري. فاحتُسبت الدية بناءً علي المسافة "بالمتر". ويُقدّر المتر حسب مكانة الشخص المخطوف. فمثلًا. يُقدّر الكيلو متر للشخص العادي بعشرة آلاف جنيه. أما شيخ القبيلة فيُضاعف المبلغ إلي عشرين ألفًا. وتُضاف دية أخري إذا تم استخدام السلاح أو كانت طريقة الخطف وحشية.
في إحدي الجلسات. خُطف شيخ قبيلة من الإسماعيلية إلي المنيا. وتم رفع السلاح عليه. قُدّرت الدية علي المختطفين بـ20 مليون جنيه. إضافة إلي مصادرة السيارات والأسلحة المستخدمة أو تقدير قيمتها.
قال المستشار الرشيدي إن القضايا المتعلقة بالمرأة يُضاء لها اللون الأحمر. وتُغلّظ فيها العقوبات إلي أقصي درجة. خاصة في قضايا السمعة والشرف والاغتصاب إذا ثبتت بالأدلة. وفي هذه القضايا. لا يُسمح للمذنب بالحديث أو الدفاع عن نفسه. يُصدر الحكم عليه مباشرة. ويُلزم بتنفيذه دون اعتراض. تُؤخذ الضمانات لضمان عدم تكرار الواقعة.
وإذا بُرّئ أحد الأطراف. يُلزم الجاني برفع الراية البيضاء علي منزل المدعي عليه. بعد أن يقوم بتشهير علني من أول القرية حتي منزل المجني عليه. وتُرفع الراية لمدة 40 يومًا. وإذا لم تُرفع الراية. يُلزم الجاني بدفع غرامة قدرها 100 ألف جنيه. إضافة إلي مبلغ مالي يُحدده القاضي العرفي.
مُحكم عرفي في محافظة قنا:
تعويض ضحايا قضايا النصب ماديا أو عينيا
قال الدكتور أحمد عبد اللطيف الكحلي. الداعية الإسلامي ومدير أوقاف نجع حمادي. والخطيب بمساجد قنا. إنه حكم في آلاف القضايا. في جلسات عرفية. موضحا: "كنت من أوائل من دعوا إلي تأسيس جلسات عرفية للوعظ والإرشاد. كما قدمت رسالة بحثية للدكتوراه عام 2019 تتناول قضية التعصب القبلي. لقول النبي محمد صلي الله عليه وسلم في الحديث الشريف: "دعوها فإنها منتنة". فالعصبية هي "حمية الجاهلية". فلو وقع حادث أعقبه حدوث مشاكل بين الأفراد. تقوم القبيلة بالثأر لابنها. سواء كان علي حق أم علي باطل. ثم يأتي التعصب ويقع القتل. ثم تعاود القبيلة أخذ الثأر مرة أخري.
أشار إلي حادث بين عائلتي "الهلالية" وهم من أصول أسوانية. و"الدابودية" وهم من أصول نوبية. في محافظة أسوان. بدأ بمشاكسة بين الأطفال في المدرسة بألفاظ نابية علي "نساء" إحدي القبيلتين. أدت إلي تصعيد الموقف إلي القتل بين الطرفين. وحضرنا مع فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب. شيخ الأزهر الشريف. وحضر الدكتور محمد مختار جمعة. وزير الأوقاف السابق. وإدريس الشريف. ومحمد عبد العزيز. مدير أوقاف أسوان. ومندوب مجلس الوزراء. ومسؤولين من الدولة.
أوضح أن اشتراطات لمحكم الجلسات العرفية أن تكون شخصيته حكيمة وواعظة. مبنية علي المعاملة الأخلاقية. ومفروضة علي أرض الواقع في البلد الذي ينتمي إليه هذا الواعظ. فيشهد له جموع أهل البلد بالأمانة. وحفظ الأسرار. والثقة. والروية. والحكمة. والصدق. والحيادية المطلقة في النطق بالحكم. وعفة اللسان واليد. ويترفع عن الدناءات والصغائر. حيث تكون صفات النبي صلي الله عليه وسلم هي المثل الأعلي في مشابهة بعض صفاته في المحكمين من أهل القرية.
أشار إلي أن معظم القضايا في الصعيد قد تؤدي إلي القتل. أو تنشب عنها اختلافات مالية قد تؤدي إلي القتل. فلا بد من المشاركة في تحكيم جميع القضايا الأخري. سواء كانت نصبًا أو قضايا مخلة بالشرف. ويذهب المحكمون إلي المكان الذي وقعت فيه الجريمة. لنبدأ بفتح التحقيقات حول الحدث. ونستعين بصورة من تحقيقات النيابة. وتتم دراسة أقوال المتهمين من الطرفين بدقة. واستحضارهم إلي الجلسة لإعادة سماع أقوالهم باستفاضة. وكذلك الشهود.
قال إن دية القتل العمد تبلغ 100جمل. أي ما يعادل 4-5 ملايين جنيه. ونصف الدية تُقدَّر فيما يخص القتل الخطأ. وفيما يتعلق بقضايا الشرف والسمعة في قنا. غالبًا يُنظر في قرار المحكمة في القضية. إذ أن قضايا الشرف والاغتصاب لا تتدخل فيها الجلسات العرفية. بل يُكتفي بقرار المحكمة فيها. ولكن قد تتدخل الجلسات العرفية في محاولة الصلح وحل النزاعات وإصلاح ما يمكن إصلاحه.
أضاف: "تُقدَّر بغرامة. ثم يتبرأ صاحب الفعل مما قاله من طعن في سمعة أخيه. ويكون ذلك بالاعتذار رسميًا علي مرأي ومسمع من الجميع. ويعتذر اعتذارًا يرتضيه المطعون في سمعته". وفيما يخص قضايا "هتك العرض". يتم تهدئة الخصوم ومحاولة التراضي بين الأطراف. في البداية يتم التحقيق. ودراسة حكم المحكمة. وكيفية حدوث الجريمة. واتخاذ قرار "الستر" علي المجني عليها بعقد القران. مع شرط جزائي مغلّظ في حالة الإخلال بالعقد أو طلاق المجني عليها في مدة قصيرة بعد الزواج.
وحال عدم قبول العائلة بتزويج الجاني من المجني عليها. علي الجاني الرضوخ لأحكام القضاء دون تدخل المجلس العرفي. وقد تصدر المحكمة في بعض القضايا حكمًا بالإعدام علي الجاني.
وفي قضايا النصب والاحتيال. ذكر أن هذا النوع من القضايا سبب في التنغيص علي المجتمع. وتُعد من أكثر القضايا انتشارًا. وهي سبب أساسي في إحداث خلل في توازن المجتمع. ومنها "المستريح" وشركات الوهم في تداول العملات. ونقوم بالاستماع لصاحب الحق في المبلغ المنصوب عليه فيه. وإعطائه حقه من الجاني بأي طريقة. فقد يكون مبلغًا ماليًا أو قطعة من الأرض تعادل قيمة المبلغ. حتي يتسامح ويتراضي الطرفان.
وأضاف: في أغلب الأحوال يكون "المجني عليه" هو الخاسر في كل الظروف. فعند حبس الجاني نظير عمله. لا يستفيد المجني عليه شيئًا. أما "الجاني" فهو في الأصل سيئ السمعة. ولا يأبه بحديث المجتمع عنه أو بتنفيذ حكم المحكمة عليه بالسجن. ولذلك. فإنه في أغلب الأحوال نحاول أن نسترد أقرب ما يكون من المبلغ الذي تم النصب علي المجني عليه فيه.
في الشرقية والغربية
إيصالات أمانة علي طرفي النزاع قبل بدء الجلسة
قال الحاج مهدي مكاوي فرج. رئيس لجنة عرفية في مركز ديرب نجم بالزقازيق. محافظة الشرقية. لأكثر من 25 سنة: في محافظة الشرقية يتمثل عدد ممثلي "الجلسة العرفية" في رقم فردي. بين 3 أفراد إلي 7 أفراد مثلًا. ليكون هناك رأي مرجّح للقرار النهائي إذا اختلفت الآراء. وتُؤسس الجلسة في مجلس كبير المدينة في منزله. والذي تتوافر فيه شروط الحكمة المكتسبة من سنين الخبرة. ويكون رئيسًا للجلسة العرفية بانتخاب أهل القرية.
أضاف: يتم استحضار أفراد من كل طرف في الخصومة حسب اختيار كل طرف ممثلًا عنه. ويتم إمضاء الطرفين علي "إيصالات أمانة" بمبلغ يبدأ من 200 جنيه. حال مقاطعة الطرف الآخر. كما يتم في جميع الجلسات العرفية عمل محضر للجلسة. ويُعيَّن "كاتب المحضر" الذي يضمن توقيع كل أطراف الجلسة عليه. والذي يُقر بموجبه الحكم علي المذنب ويُطالب بتنفيذ الحكم المقرر عليه. كما يتم تسليم المحضر للمحكمة والقضاء. وحال عدم التنفيذ. يدفع الجاني الشرط الجزائي المقرر عليه "نسبة زيادة تُقدَّر علي المبلغ الذي تم تقديره خلال الجلسة العرفية".
وقال الحاج أنور عبد الحميد عبد الجواد. محكّم في الجلسات العرفية بمحافظة الغربية. وهو موظف علي المعاش في إدارة تابعة لوزارة التنمية المحلية. إنه عمل قاضيًا في المجالس العرفية لمدة تتجاوز عشر سنوات. ويبلغ من العمر 60 عامًا. وهو أحد أعضاء لجان المصالحات. ويتم الاستعانة بمحاضر جلساته ضمن القضاء المدني.
أضاف: "تُعد الجلسات العرفية الطريق الأسرع. كما تختصر البُعد الزمني في حل القضايا. وتترك أثرًا طيبًا في نفوس الأسر محل النزاعات". وفيما يخص الجلسة العرفية. يبلغ عدد المحكّمين عددًا فرديًا. حيث يُمثّل المدّعي محكّمان. وكذلك المدّعي عليه. ويُضاف إليهم محكّم مرجّح للفصل بين الطرفين. فمن الممكن أن يكون عدد المحكّمين 3 أو 5 أو 7... إلخ.
ذكر الحاج أنور أن هناك ضمانات قبل بدء الجلسة تضمن التزام الجميع بها. ومن الشروط التي يجب توافرها في المحكّم أن يتمتع بثقافة تجعله حكيمًا في حل النزاعات. وأن يحظي بسمعة طيبة. ويخاف الله سبحانه وتعالي.
لكل منطقة مناخها الخاص من حيث اختيار المحكّمين» فقد يكون المحكّم في منطقة ما نائبًا في مجلس النواب أو الشيوخ. أو تاجرًا كبيرًا. بينما قد يكون في منطقة أخري شخصًا بسيطًا ليس له أي أطماع شخصية. الأساس في التحكيم هو السمعة الطيبة بين أفراد المنطقة.
التحكيم في القضايا العرفية قد يخلق نوعًا من المصداقية والثقة التي تحفّز المحكّم علي المشاركة الأكبر في العمل السياسي.
أضاف الحاج أنور أن بعض الجلسات العرفية الخاصة بالقضايا الكبيرة قد يشارك فيها مسؤولون من الدولة. وقد تُعقد في مقرات حكومية. وقد تتدخل الدولة من خلال الجهات الأمنية المختصة في اختيار ما تراه مناسبًا في بعض القضايا العرفية.
يبدأ صاحب الجلسة بالحديث. يعقبه الطرف الآخر. ثم يرد الطرف الأخير.
بعد ذلك. يختلي المحكّمون العرفيون بأنفسهم لكتابة المحضر ثم إصدار الحكم النهائي ليتم النطق به.
وتابع: إذا كانت قضية القتل فيها قصد جنائي ولم تتم عن عمد. أو كانت بدون قصد جنائي. أو قضايا كان فيها إهمال أدي إلي حدوث وفاة أو التسبب في عاهة مستديمة. فإن دية القتل العمد تبدأ من 3 ملايين جنيه فأكثر.
وفيما يخص التسبب في عاهة مستديمة. تبلغ الدية مبلغًا كبيرًا حسب حجم الإعاقة المتسببة. وإذا كان المجني عليه يعول. يتم توفير مشروع يتناسب مع حالته ويعينه علي إعالة أسرته ومتطلبات الحياة.
وأوضح أنور أنه في حالة القتل الخطأ. فإن ما جري عليه العرف أن ديته نصف دية القتل العمد. ويُراعي فيها حالة المتوفي وإعالة أسرته.
وفي النهاية. فإن الأساس الذي تقوم عليه الجلسات العرفية هو التراضي بين جميع الأطراف. وقد نصل إلي حلول وسطية لحل النزاعات بما يترك أثرًا طيبًا بينهم.
أضاف أن 80% من قضايا النصب والاحتيال قد لا يتم فيها استرجاع المبلغ الأصلي كاملًا لأصحابه» يتم فيها استرداد جزء من الحق. وفق ما يمكن استرداده. في معظم القضايا. يكون صاحب الحق مُدانًا لعدم تحريه عن سمعة من يتعاقد معه."
كما أن النصّاب لا يهمه السمعة في المجتمع. وعند الحكم عليه قد تضيع حقوق المجني عليه نهائيًا. لذا قد تتدخل الجلسات العرفية في استرجاع جزء من الحقوق. فلو كان المبلغ الذي تم النصب به مليون جنيه. يتم استرجاع نصف مليون أو 700 ألف جنيه أو المبلغ كاملًا قدر المستطاع.
ولكن في حالة النصب من قبل بعض الجهات المسؤولة والمعروفة بعملها ضمن منظومة الدولة. مثل حالات تداول العملات. قد تُفرض غرامة مالية علي "النصّاب" مع استرداد أموال المواطنين.
سرد الحاج أنور أغرب القصص في قضايا النصب والاحتيال منذ حوالي 7 سنوات: قام أحد المواطنين بشراء أرض تُقدّر بـ002 فدان. وتوجّه إلي الجمعية الزراعية لنقل ملكيتها وحيازتها من الجهات الإدارية. حيث قام رئيس مجلس إدارة الملكية بإقناع صاحب الأرض أن سند الملكية مزوّر. مما جعله يحتال علي صاحب الحق لإثبات صدق سنده. وأجبره علي التوقيع علي سندي ملكية سيارات. وقام رئيس الجمعية بمساومة المواطن صاحب الأرض بالسندات. ورفع قضية عليه بالسندات استمرت 3 سنوات. تدخلنا في المجالس العرفية. حتي تدخل أحد قضاة مصر الشرفاء للتحكيم في جلسته العرفية. ليس بصفته الرسمية. وإنما كمحكّم عرفي. واستمع إلي المواطن ضحية أحد رؤساء الجمعية.
وقام بالتحقيق في القضية علي مدار يوم كامل. واستشعر صدق كلام المواطن ومظلوميته. ومن حسن ترتيب القدر. قام القاضي بزيارة أخيه المريض. فوجد الشاهد الوحيد علي القضية ضمن العاملين في الجمعية الزراعية. والذي شهد لصالح المواطن الشريف قبل أن يلفظ أنفاسه الأخيرة في نفس الليلة. وتم الحكم عليه بالبراءة من حكم قد تجاوز الـ7 سنوات.
شمال وجنوب سيناء:
اختيار القاضي العرفي من ذوي الحكمة والثقافة
"قطع اللسان" عقوبة قضايا الإساءة للسمعة.. لكن لا تُنفذ
تحدث الشيخ أحمد أبو راشد الجبلالي من القبيلة الجبلية. مستشار دير سانت كاترين لشؤون قبائل سيناء. وهو أحد القضاة العرفيين بين عدد كبير من قبائل جنوب سيناء. لمدة 81 عامًا. قام بتحكيم مئات القضايا العرفية. منها قضايا الظلم والقتل. وقضايا الشرف. والتعدي علي حرمات البيوت. والتحرش. والتعدي بالنصب علي الأراضي. والنزاعات علي الأراضي الزراعية.
قال إنه يتم اختيار القاضي العرفي بناءً علي السمعة الطيبة في المجتمع. وأن يكون صاحب كلمة مسموعة. إضافة إلي صفتي الصدق والأمانة. وقد يكون بسيطًا. أو من كبار المجتمع. أو مستشارًا قانونيًا.
وأوضح أن اختيار القاضي العرفي لا يستند إلي الأبعاد التجارية أو السياسية. وإنما يعتمد علي الخبرة والحكمة في حل العقد والخلافات. وأن يكون ذا سمعة طيبة لا تشوبه شائبة طوال مسيرة حياته.
وتابع: أنا فرد ضمن محكّمين عدة في منطقة جنوب سيناء. والتي تضم 41 قبيلة في منطقة الجنوب فقط. و24 قبيلة في شبه جزيرة سيناء.
وتتضمن شروط اختيار القاضي العرفي في حالة نزاع أو خلاف بين قبيلتين. ألا يحكم قاضي عرفي ينتمي إلي إحدي القبيلتين محل النزاع. وأن يتم اختيار المحكّمين من قبائل أخري. وهذا لا ينطبق علي النزاع داخل القبيلة الواحدة» ففي هذه الحالة يجوز لمحكّم ينتمي للقبيلة أن يحكم بين الطرفين محل النزاع. بشرط ألا ينتمي لنفس العشيرة محل الخلاف. وإنما يكون من عشائر أخري.
في غالبية القضايا العرفية. تتكون اللجنة من 3 محكّمين عرفيين. وفي قضايا أخري يكون هناك محكّم واحد فقط. يدفع كل طرف "الرزقة". وهو مبلغ مالي يغطي تكاليف التحكيم. وفي حالة ثبوت الذنب علي المتهم. يتحمل تكاليف القضية كلها. ويُسترجع المبلغ الذي دفعه المدعي عليه. والجلسة لا تقل عن 100شخص ولا تزيد عن 200 شخص. ويترافع عن كل طرف المحامي الخاص بكل قبيلة أو من ينوب عنهم.
ذكر الشيخ أحمد أبو راشد الجبلالي. أن الجلسة العرفية تُحدّد وفق دراسة القضية وشهادة الشهود ما إذا كانت جريمة القتل عمدًا مع سبق الإصرار والترصد. أم قتلًا خطأ غير مقصود. نحكم في الحالة الأولي "القتل العمد" بالدية المحمدية. وهي الدية التي تتبع السنة النبوية الشريفة. وتُقدّر بـ001 بعير لأهل الدم. وتُدفع الدية شريطة قبول أهل المجني عليه للدية في الأساس. وتُقدّر القيمة بالجنيه حسب سعر البعير. أي ما بين 3 إلي 4 ملايين جنيه.
أشار إلي أن قضايا "القتل المنكور". الذي يُجهل فيه المجرم أو لا يوجد عليه شهود. تُعد من أغرب وأصعب القضايا التي قد تواجه القضاء العرفي. وتأخذ وقتًا طويلًا حتي نصل إلي القاتل الحقيقي. ويقوم القاضي المختص بالدم بتحديد دية القتل. وتكون دية مغلّظة علي صاحبها. وتعادل 4 ديات.
وفي حالة القتل "الخطأ". جري العرف أن تكون دية القتل الخطأ ربع دية. أي 25 بعيرًا. لكن غالبًا ما تنتهي المصالحات فيه بـ"السماح" من قبل أهل المقتول. لأنه يخلو من القصد الجنائي. فلا تُقبل فيه دية لفعل حدث "خطأ".
وفي حالة سرقة متعلقات أو تسريب معلومات أو صور من شأنها أن تتسبب في إساءة السمعة لصاحبها. سواء كانت متعلقة بالمرأة أو الرجل. تُفرض غرامة مالية. وقد تُغلّظ العقوبة لتصل إلي "قطع اللسان". نظرًا لتفشي أسرار خاصة وإساءة السمعة لصاحب المعلومات.
أوضح: في حالة الحكم علي المجرم بقطع اللسان. غالبًا لا تصل القضايا إلي تنفيذ الحكم فعليًا. بل تُثمن "الدية" أي مبلغ مالي يُدفع مقابل عدم تنفيذ الحكم وقد تُقدّر بمئة ألف جنيه فأكثر. حسب القضية والفعل المُجرَّم.
في حالة ثبوت أن الجاني سلك طريقًا غير شرعي وطعن في سمعة امرأة وشرفها. تُدفع دية. ويقوم المجني عليه برفع من راية إلي ثلاث رايات بيضاء. حتي يعلم أهل القرية أو القبيلة أن هذه علامة علي النزاهة والشرف. وأن ما قيل في حقها غير صحيح.
0 تعليق