الفن والحرية في سوريا: بين قيود الأخلاق وأسئلة الإبداع - مصدرنا الإخبارى

النشرة (لبنان) 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
الفن والحرية في سوريا: بين قيود الأخلاق وأسئلة الإبداع - مصدرنا الإخبارى, اليوم الثلاثاء 26 أغسطس 2025 12:15 صباحاً

مصدرنا الإخبارى - أعاد قرار كلية الفنون الجميلة في جامعة دمشق القاضي بمنع استخدام النموذج العاري في أعمال التخرج، تحت طائلة وضع علامة الصفر للطالب المخالف، الجدل حول الحرية الأكاديمية في سوريا وعلاقتها بجودة التعليم الفني.

القرار أثار موجة انتقادات طلابية وفنية واسعة، واعتبره الحراك الطلابي "انتهاكاً صريحاً للحرية الأكاديمية وتشويهاً لبنية العملية التعليمية ذاتها". ومعلوم أنّ عميد الكلية الدكتور فؤاد دحدوح الذي أصدر قرار منع استخدام "الموديل العاري" - وهو فنان تشكيلي تخرّج من قسم النحت في الكلية - أنجز لوحات عدّة جالت على صالات عرض عالمية تُظهر أجساداً عارية، منها على سبيل المثال لوحة "سجناء" (برونز على خشب) ولوحتين رسمهما بتقنية مختلطة على ورق عام 1990، وعرضتهما "غاليري لايت هاوس" ضمن معرض "إيروتيكا".

في هذا الإطار، تستعرض "النهار" آراء عدد من الفنانين التشكيليين السوريين، في هذا الجدل الذي أعاد إلى الواجهة أسئلة كبرى؛ فهل يمكن للفنان أن يبدع بعيداً عن الحرية الأكاديمية؟ وما أثر تقييد التعبير الفني على جودة التعليم؟ وكيف يمكن التوفيق بين الفن والأخلاق من دون أن تتحول القيم الأخلاقية إلى وصاية على الخيال؟ 

لا حكم أخلاقياً على الفن
يؤكد الفنان التشكيلي سامر إسماعيل لـ"النهار"، أن وجود ضوابط في التعليم الأكاديمي أمر ضروري، لكنه يشدّد على أن هذه الضوابط يجب ألا تكون إيديولوجية، لأن التدخّل الإيديولوجي في تاريخ الفن والثقافة أضرّ بهما على نحو بالغ. ويرى أن الضوابط ينبغي أن تكون فنية بحتة، وتهدف إلى صون المسار الأكاديمي للفن، لا إلى حرفِه باتجاهات عبثية تحت ذريعة الحرية.

 

الفنان التشكيلي سامر إسماعيل.

 

ويضيف إسماعيل: "يمكن القول إن العلاقة بين الفن والسياسة ينبغي أن تقوم على التباعد لا التداخل؛ فابتعاد الفن عن السياسة، والعكس صحيح، يصبّ في مصلحة كليهما". ويخلص إسماعيل إلى أن الفن لا يخضع لأحكام أخلاقية، سواءٌ أكان فناً عارياً أم تصويراً للطبيعة، بل يُقيّم فقط وفق فنيّته وقيمه البصرية". 

التكنولوجيا كبديل لتفادي الصدام
ترى الفنانة التشكيلية راميا حامد أن الفن الأكاديمي يقوم أساساً على التجريب والتعبير الحرّ، لكنه في الوقت نفسه لا ينفصل عن الإطار الثقافي والأخلاقي للمجتمع. وتشير إلى أن قرار كلية الفنون الجميلة في جامعة دمشق بمنع استخدام النموذج العاري أعاد طرح تساؤلات حول أثر تقييد حرية التعبير على جودة التعليم، وحول كيفية التوازن بين متطلبات الإبداع وحدود القيم الأخلاقية. وتلفت إلى أن هذه الإشكالية ليست جديدة، إذ شهدتها مؤسسات أكاديمية عريقة حول العالم، حيث فرضت جامعات مرموقة قيوداً فكرية أو دينية على الممارسة الفنية، مثل Baylor University  و Biola University في الولايات المتحدة أو جامعة القديس يوسف في بيروت، من دون أن تفقد مكانتها العلمية أو الإبداعية.

 

الفنانة التشكيلية راميا حامد.

الفنانة التشكيلية راميا حامد.

 

وتوضح حامد لـ"النهار" أن "الحرية الأكاديمية شرط أساسي للإبداع، لكنها لم تكن مطلقة في أي مكان، بل تخضع دائماً لضوابط أخلاقية أو قانونية تتناسب مع بيئة المؤسسة التعليمية". وترى أن منع النموذج العاري في سوريا لا يعني بالضرورة انهيار العملية التعليمية إذا ما استُخدمت بدائل تقنية معاصرة، مثل النماذج التشريحية الرقمية أو تقنيات الواقع الافتراضي أو حتى المجسمات الطبية التعليمية المستخدمة في كليات الطب. وتشدد على أن هذه البدائل باتت معتمدة في جامعات أوروبية وأميركية لأسباب تقنية وأخلاقية، ويمكن أن تشكل حلاً عملياً يحافظ على جودة التعليم الفني في السياق السوري.

أما في ما يخصّ العلاقة بين الفن والأخلاق، فتعتبر حامد أنها علاقة معقّدة تاريخياً، لكنها ليست بالضرورة صدامية. وتستشهد بالفيلسوف إيمانويل كانط الذي رأى أن الفن قادر على ترسيخ القيم النبيلة، معتبرة أن القيم الأخلاقية يجب أن تُتعامل كإطار موجّه لا كأداة للرقابة. وتضرب مثالاً بجامعة نوتردام الأميركية التي تنظم عرض الأعمال الفنية التي تتضمن عرياً من دون أن توقف برامجها الأكاديمية في تاريخ الفن، وكذلك اليابان التي تعتمد نماذج افتراضية متقدّمة لتدريس التشريح الفني احتراماً لحساسياتها الثقافية.

وتخلص حامد إلى أن السياق السوري يمكن أن يحقق توازنه الخاص عبر إدماج التكنولوجيا وإطلاق حوار أكاديمي مفتوح بين الطلاب والأساتذة، مما يضمن الجمع بين الحرية والمسؤولية، ويحافظ في الوقت نفسه على الهوية الثقافية من دون التضحية بجودة التعليم الفني.

الحرية شرط لاستعادة الخيال
يرى الفنان التشكيلي عمار حسن أن التعليم الأكاديمي في الفنون يقوم على وحدات متكاملة من التدريب العملي والنظري، تشمل التشريح والتقنيات والخامات والمنظور والتكوين وفلسفة الفن وتاريخه ونقده. وأي نقص في هذه الوحدات – برأيه – يترك خللاً كبيراً في قدرات الطالب لاحقاً على المستوى التنفيذي. ويشير إلى أن منع استخدام الموديل العاري في كلية الفنون في دمشق منذ منتصف السبعينيات أحدث فجوة واضحة في فهم التشريح الصحيح للجسد الإنساني، مما دفع الطلاب إلى اللجوء إلى اختزاله أو تجريده في الرسم والنحت كحل بديل ذكيّ، لكنه ظل غير كافٍ. ويؤكد أن هذا النقص بدا جلياً في أعمال الفنانين السوريين المشاركين في ملتقيات النحت الواقعي العالمية مثل ملتقى دمشق عام 2009، حيث ظهر التفاوت بينهم وبين نظرائهم من الفنانين العالميين.

ويضيف حسن لـ"النهار" أن حرية التعبير الفنيّ في سوريا لطالما كانت إشكالية، إذ يواجه الفنان مجموعة من "التابوات" الراسخة في المجتمع العربي مثل الجنس والدين والسياسة، بل ويضيف إليها "الحقيقة" نفسها كقيد رابع. ويرى أن الفنان يحاول دوماً المناورة والتحايل لتجاوز هذه القيود وتقديمها فنياً بصورة جمالية، لأن الجسد الإنساني – وفق ما يقول – نبيل بطبيعته، وإذا ما صار هذا الفهم عاماً سيعبّر الفنان عنه بجمال ونبل، وهو ما ينعكس بدوره على احترام الذات ورؤية الحياة بحرية وحب.

 

الفنان التشكيلي عمار حسن.

الفنان التشكيلي عمار حسن.

 

أما في ما يخص العلاقة بين الفن والأخلاق، فيوضح حسن بأن الرسم – كسائر الأدوات – يمكن أن يُستخدم للخير كما يمكن أن يُوظف في الشر، لكنّه في جوهره موهبة هدفها الخير والمحبة. ويعتبر أن الخيال هو إحدى أعظم النعم التي منحها الله للإنسان، ومن دونه لا يمكن للبشر أن يواجهوا مشكلاتهم أو يفتحوا آفاق المستقبل. لذلك، فإنّ الأمّة التي تفقد خيالها، تفقد مستقبلها. فالفن بالنسبة إليه بمثابة منارة تكشف عوالم جديدة أكثر وعياً وإنسانية؛ وإذا عُطّلت الحواس – كما في حال البصر – عُطّل معها إدراك الجمال والحياة، وهو ما يعد قتلاً للحرية والإنسانية معاً.

ويخلص عمار حسن إلى أن الحرية الفنية تنبع من معرفة الحقيقة ومن وضوح الرؤية والقيم والاستراتيجيات التي تحكم دور الفرد والمؤسسات. فالفن ليس ترفيهاً أو زينةً جانبية، بل هو أداة لفهم كنه الحياة نفسها، وعنصر فطريّ أصيل في الإنسان إلى جانب الدين وحبّ الجمال. ويستشهد في هذا السياق بالمفكر محمد الصدر الذي يقول:"الدين في الأصل عنصر مولد للفن والانتماء، وحين قُتل الفن، مات الإنسان وتحجر الدين".

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق