هل تخلّي يريفان عن إقليم كارباخ كان قراراً استراتيجياً لأرمينيا؟ - مصدرنا الإخبارى

النشرة (لبنان) 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
هل تخلّي يريفان عن إقليم كارباخ كان قراراً استراتيجياً لأرمينيا؟ - مصدرنا الإخبارى, اليوم الثلاثاء 26 أغسطس 2025 01:05 صباحاً

مصدرنا الإخبارى - أجرى رئيس الوزراء الأرميني نيكول باشينيان، زيارة نادرة لتركيا، في حزيران/يونيو الماضي، حيث التقى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في مدينة إسطنبول.

وضع الكثير من المتابعين تلك الزيارة في خانة "الاستسلام" الأرميني أمام النفوذ التركي في منطقة القوقاز، فيما نظروا إلى أن الزيارة أعطت انتصاراً لتركيا على التاريخ، لا سيما أن العلاقات بين البلدين كانت قد قُطعت بعدما طالبت مراراً يريفيان أنقرة بالاعتراف بالمجزرة الأرمنية التي حصلت على يد الجيش العثماني منذ أكثر من مئة وعشرين عاماً وراح ضحيتها أكثر من مليون وخمسمئة ألف أرمني بحسب البيانات الأرمنية.

تصاعدت وتيرة الانتقادات لحكومة باشينيان على اعتبار أنّها قدمت كل أوراقها لتركيا وأعلنت تخليها عن إقليم أرتساخ الذي تنازعت على ملكيته مع جارتها أذربيجان لعقود، وانتهت بتظاهرات نظمها آلاف الأرمنيين، في أيار/مايو عام 2024، والذين طالبوا بضرورة استقالة حكومة باشينيان لتسليم بلادهم إلى باكو. هذا ووقعت كل من أذربيجان وأرمينيا اتفاق سلام تاريخياً برعاية أميركية في البيت الأبيض، في 8 آب/أغسطس الجاري، بحضور الرئيس الأميركي دونالد ترامب، ما أدى إلى إنهاء نزاعهما الإقليمي الدائم وتعهد الزعيمان بالاستقرار والازدهار.

بدأت حكومة باشينيان ترسم مسار التغيير في استبدال حلفها مع روسيا وإعادة ترتيب العلاقة مع واشنطن من خلال إجراء سلسلة من التدريبات المشتركة بين الجيشين الأرميني والأميركي، والتي اختتمت بتعاون عسكري متقدم بين البلدين، في إطار المناورة التي أجريت مطلع شهر آب الجاري تحت اسم "شريك النسر 2025".

أدركت أرمينيا أن انشغال روسيا في الحرب في أوكرانيا، كان السبب المباشر لتراجع دعمها في حربها المستمرة مع أذربيجان على هذا الإقليم. وأدركت أيضاً أن تركيا التي استفادت من موقعها المحايد بين روسيا والغرب استطاعت أن تستفيد من الدعم الأميركي في إنهاء الصراع في منطقة القوقاز لمصلحة باكو، ومن التراخي الروسي المتخوف من الانقلاب عليها إذا عارضت تلك التسوية أو تدخلت في سبيل العرقلة.

في شكل الاتفاقية بين يريفان وكل من أنقرة وباكو، يظهر أن الاحتجاجات والتظاهرات بوجه باشينيان في مكانها، إذ شعر جمهور كبير من الأرمن أن نضالهم على مدى عقود قد سقط مع عملية تسليم الإقليم. لكن في قراءة جيواستراتيجية للخطوة التي قامت بها الحكومة الأرمينية، يظهر أنها تحاكي ما هو مطلوب من بلاد تحدّها من الشمال جورجيا، ومن الشرق أذربيجان، ومن الجنوب إيران، ومن الغرب تركيا وكتلة ناخيتشيفات الأذرية. فهذه البلاد غير الساحلية، والتي تقع في جنوب منطقة القوقاز بين البحر الأسود وبحر قزوين، عليها أن تنخرط في الممرات الدولية وإلا مصيرها أن تبقى رهينة صراعات المنطقة.

سارت أرمينيا على خطى تركيا، وعملت على الاستفادة من الصراع القائم في شرق أوروبا والشرق الأوسط لتبعد عن لعبة الاصطفاف وتدخل في اللعب على المتناقضات. فهي ذهبت بعيداً مع تركيا وأذربيجان، ولم تكتف فقط بتوقيع الاتفاقيات على أساس التنازل عن الإقليم لمصلحة باكو. فهذا الموضوع تجد فيه يريفان بأنه صراع ليس فقط مرتبطاً بالجغرافيا، بل أيضاً يالتاريخ، بما يعني اليوم اتفاقاً، وغداً قد يعود الصراع. ولكن قبل أن يأتي غداً، استطاعت أرمينيا من جعل جغرافيتها المعزولة عن البحار، نقطة رئيسية وتجاذباً جيوسياسياً لدول الجوار ومن خلفهم.

فعلياً، ابتعدت أرمينيا عن تلك العلاقة التي تجمعها مع روسيا، لا سيما المتعلقة بالروابط الدينية، وأعادت تموضعها بما يحاكي مصالحها. إذ استفادت من العلاقة المستجدة مع باكو وأنقرة، تحديداً من "ممر زنغزور"، وهو ممر النقل الذي سيمنح دولة أذربيجان حرية الوصول دون عوائق إلى نقاط التفتيش الأرمنية، عبر مقاطعة سيونيك في أرمينيا. ويشكل الممر طريقاً برياً استراتيجياً، يبلغ طوله 40 كلم، يربط أذربيجان بإقليم نخجوان الذي يتمتّع بحكم ذاتي ضمن دولة أذربيجان، والذي لا يمكن أن يعبّد إلا بمروره عبر إقليم زينغزور الجنوبي في أرمينيا.

لاعتبارات خلافية رفضت أرمينيا تمرير المشروع، لكنّ بعد حالة التلاقي مع باكو وضعت يريفان على خط الاتصال الإقليمي في منطقة القوقاز، ومع توسيع الدائرة الحيوية للممر، تجد يريفان نفسها في وسط الاندماج الآسيوي الأوروبي. يعزز هذا الممر مكانة جنوب القوقاز في نظام العلاقات الاقتصادية الدولية، وبرغم أنه لا يغطي مساحة واسعة على الخريطة العالمية، إلا أنه يتمتع بأهمية جيوسياسية كبيرة، سيكون له تأثير كبير على بنية اتصالات النقل في المنطقة.

وجدت يريفان نفسها حلقة رئيسية في الممر ومحطة للتواصل والاتصال الدولي بعدما كانت تعيش هاجس العزلة بسبب موقعها وبسبب علاقاتها مع روسيا. لكن مع الانفتاح على تركيا وجارتها أذربيجان والتعاون العسكري مع الولايات المتحدة، جعلت من موقعها نقطة استقطاب دولية.

هذا التقارب أعطى الجارة الجنوبية لها، إيران، حافزاً للتقارب أكثر مع أرمينيا لا للتباعد كما توقع البعض. إذ سارع الرئيس الإيراني، مسعود بزشكيان لزيارة أرمينيا والتوقيع على مجموعة من الاتفاقيات، أهمها ما أعلنت عنه وزير الطرق وبناء المدن الإيرانية، فرزانة صادق مالواجرد، خلال اجتماعها مع نظيرها الأرمني، دويت خود إتيان، عن تطوير البنية التحتية للنقل وتعزيز التعاون في مجالي النقل والبنية التحتية وحل الخلافات المتعلقة بين البلدين.

لكنّ ما هو أهم في ما قالته مالواجرد، هو ما جرى التوصل إليه بين الدولة الحبيسة "أرمينيا" وإيران من تفاهمات في مجال الموانئ، حيث سيجرى من خلال المواقع اللوجستية الواقعة في الخليج وبحر عمان تسهيل العبور بين إيران وأرمينيا، فضلاً عن الدول الأوروبية. لهذا، تسعى طهران إلى تحقيق الربط الاستراتيجي بين الخليج والبحر الأسود.

تعد أرمينيا أبرز المستفيدين من ممر زنغزور وممر خليج البحر الأسود، فهي تراهن على الفوائد الاقتصادية والسياسية، إضافة إلى تعزيز حضورها في تلك الممرات التي تربط آسيا بأوروبا بعدما كانت تعيش شبه عزلة دولية. لهذا يجد البعض أن تلك الخطوة التي قام بها باشينيان والتي أتت على حساب الذاكرة التاريخية الأليمة للأرمن، تضع حتماً مستقبل البلاد في قلب الممرات الدولية وتجعل من أرمينيا نقطة تواصل ومحط أنظار على مختلف الصعد.

- المقاربة الواردة لا تعكس بالضرورة رأي مجموعة "النهار" الإعلامية.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق