نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
بعد تصريحات جيروم باول في جاكسون هول: من المستفيد الأكبر من أداء الأسواق؟ - مصدرنا الإخبارى, اليوم الثلاثاء 26 أغسطس 2025 08:45 صباحاً
مصدرنا الإخبارى - شهدت الأسواق المالية العالمية تفاعلات قوية عقب الخطاب الذي ألقاه رئيس الاحتياطي الفيدرالي الأميركي جيروم باول في منتدى جاكسون هول يوم الجمعة. فقد حملت تصريحاته إشارات واضحة إلى مرونة أكبر في السياسة النقدية وتزايد الاحتمالات التي وصلت إلى نسبة تقارب 85% بخفض أسعار الفائدة بمقدار 25 نقطة أساس في اجتماع أيلول/ سبتمبر المقبل.
توجه الفيدرالي ولو ببطء نحو التيسير لا يأتي هذه المرة نتيجة لانكماش التضخم، بل في ظل واقع مختلف حيث لا يزال التضخم "عنيداً" وقابلاً للارتفاع مجدداً بفعل تأثير الرسوم الجمركية والضغوط على سلاسل التوريد. التغيير في الموقف يعكس قلقاً متزايداً من ضعف سوق العمل وخطر تباطؤ النمو الاقتصادي، ما يدفع الفيدرالي إلى تفضيل دعم النشاط الاقتصادي حتى لو كان ذلك مع بقاء التضخم فوق المستويات المستهدفة.
الذهب والفضة: الملاذات الآمنة تعود إلى الواجهة
في مثل هذا السياق، تتغير خريطة الاستثمارات بشكل جذري، حيث يبرز الذهب في المقدمة باعتباره المستفيد الأكبر من خفض أسعار الفائدة وتراجع الدولار، إذ حقق منذ بداية العام حتى اليوم ارتفاعاً يقارب 28%. فالذهب، رغم كونه أصلاً لا يدر عائداً، يتفوق في بيئة العوائد المنخفضة على الأصول الأخرى، إذ تنخفض تكلفة الفرصة البديلة لحيازته. ويتعزز الطلب عليه مع تصاعد المخاوف من تباطؤ النمو الاقتصادي والتوترات الجيوسياسية، حيث يلجأ المستثمرون إليه أداة تحوط كلاسيكية ضد الأخطار وعدم اليقين، إضافة الى تراجع العوائد الحقيقية وعودة البنوك المركزية، بخاصة في الأسواق الناشئة إلى زيادة احتياطياتها من الذهب كجزء من استراتيجية التنويع بعيداً عن الدولار.
في الإطار نفسه، تبرز الفضة كأحد الأصول التي تجمع بين صفة المعدن الثمين والسلعة الصناعية، ما يمنحها ميزة مزدوجة. الفضة تستفيد من بيئة أسعار الفائدة المنخفضة وتراجع الدولار، وفي الوقت ذاته، يزداد الطلب الصناعي عليها من قطاعات مثل الطاقة الشمسية والسيارات الكهربائية والإلكترونيات الدقيقة، ما يعزز جاذبيتها الاستثمارية ويدعم الأسعار على المدى المتوسط والطويل, ما يجعلها خياراً استراتيجياً للمستثمرين. وعلى صعيد الأداء، فقد حققت الفضة منذ بداية العام مكاسب تقارب 32%.
جيروم باول في جاكسون هول (وكالات)
الأسهم الأميركية: مكاسب قوية وأخطار كامنة
أما الأسهم الأميركية، فهي المستفيد الظاهر من انخفاض أسعار الفائدة، حيث تتجه شهية المستثمرين نحو أسهم النمو والتكنولوجيا التي تعتمد بشكل كبير على التمويل الرخيص والتوقعات المستقبلية. غير أن هذه المكاسب تخفي وراءها أخطاراً متنامية، فتقييمات الأسهم الحالية مرتفعة مقارنة بالأساسيات الاقتصادية، ما يثير المخاوف من تصحيح محتمل قد يحدث إذا جاءت بيانات التضخم أو التوظيف أقوى من المتوقع. ويضاف إلى ذلك أن جزءاً كبيراً من صعود الأسهم الأميركية مدفوع بتدفقات سيولة ضخمة تركزت في أسهم التكنولوجيا الكبرى، ما جعل السوق عرضة لأخطار تمركز استثماري مفرط في قطاعات محدودة.
كما أن البيئة الحالية لا تخلو من تحديات مرتبطة بالرسوم الجمركية، والتي قد تؤثر سلبااً على هوامش أرباح الشركات، بخاصة ذات الانكشاف الكبير على الأسواق العالمية. ومع زيادة أخطار الركود في الولايات المتحدة، قد تواجه الأسواق ضغوطاً مزدوجة من تباطؤ النمو وارتفاع التكاليف. وبالتالي، ورغم أن الأسهم تستفيد مرحلياً من انخفاض أسعار الفائدة، فإن الهوامش بين التفاؤل والأخطار ضيقة، وهو ما يجعل المستثمرين أكثر حساسية تجاه البيانات الاقتصادية والتصريحات القادمة من الفيدرالي، حيث يمكن لأي إشارة معاكسة أن تدفع الأسواق إلى موجة تصحيح. وقد ارتفع مؤشر داو جونز الصناعي بنحو 7% منذ بداية العام، فيما صعد مؤشر S&P 500 بحوالي 10%، أما مؤشر ناسداك المركب فقد سجل مكاسب تقارب 11% منذ بداية 2025.
العملات العالمية تستعيد قوتها أمام الدولار
في الوقت نفسه، تستفيد العملات الرئيسية مثل اليورو والين من ضعف جاذبية العملة الأميركية كعملة احتياطية. فقد ارتفع اليورو/الدولار منذ بداية العام بنحو 13%، مدعوماً بتراجع الدولار وتزايد التوقعات بأن الفيدرالي سيكون أكثر ميلاً للتيسير مقارنة بالمركزي الأوروبي، إضافة إلى تحسّن نسبي في بيانات منطقة اليورو التي جاءت بأفضل التوقعات، ما عزّز الثقة بالعملة الموحدة. كما برز الفرنك السويسري كأحد أكبر المستفيدين من ضعف الدولار، إذ حقق مكاسب تقارب 12% منذ بداية العام أمام العملة الأميركية، مدعوماً بدوره التاريخي كعملة ملاذ آمن وبتوجهات البنك الوطني السويسري نحو سياسة نقدية أكثر حيادية.
التنويع: استراتيجية لا غنى عنها
في ظل هذه الظروف المتقلبة، تزداد أهمية تنويع المحافظ الاستثمارية بين الذهب والفضة والأسهم والعملات الرقمية لتقليل الأخطار المرتبطة بتقلبات كل أصل على حدة. التنويع لا يقتصر على فئات الأصول فحسب، بل يمتد أيضا إلى التنويع الجغرافي بين الأسواق الأميركية والأوروبية والآسيوية وحتى الأسواق الناشئة, حيث يتيح توزيع المخاطر على اقتصادات مختلفة ذات دورات مالية متباينة. هذا التوازن بين الأصول الدفاعية والهجومية، وبين المناطق الجغرافية المتنوعة، يشكل شرطا أساسياً لتحقيق استقرار وعوائد مستدامة في بيئة اقتصادية غير مؤكدة.
(*) كبير محلّلي الأسواق المالية في FxPro، محاضر جامعي في لبنان وفرنسا.
0 تعليق