في الأهوار العراقية... الجفاف يُهدّد تربية الجواميس - مصدرنا الإخبارى

النشرة (لبنان) 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
في الأهوار العراقية... الجفاف يُهدّد تربية الجواميس - مصدرنا الإخبارى, اليوم الثلاثاء 26 أغسطس 2025 08:45 صباحاً

مصدرنا الإخبارى - يرعى واثق عباس منذ 15 عاماً، كما كان والده من قبله، جواميسه المائية في ‏أهوار الجبايش في جنوب العراق، غير أن أسلوب الحياة هذا الذي عمره آلاف ‏السنين بات مهدّدا بسبب الجفاف الذي يقضي على رؤوس الماشية.‏

ويقول الرجل البالغ 27 عاما والذي ارتدى دشداشة سوداء، لوكالة "فرانس برس"، ‏‏"لم يبقَ ماء، الهور انتهى ومات".‏

 

ويضيف "في الماضي، كان الجفاف يستمرّ سنة أو سنتين ثم تعود المياه، أمّا الآن، ‏ليس هناك ماء منذ خمس سنوات".‏

في الأهوار المُدرجة ضمن قائمة منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة ‏‏(يونسكو) للتراث العالمي، تحوّلت المساحات التي كان يغطيها قَصَب طويل إلى ‏صحراء شاسعة أرضها متشقّقة.‏

وعرف العراق هذا العام أكثر سنوات تاريخه جفافا منذ العام 1933، فيما تتجاوز ‏في هذا البلد الحرارة 50 درجة خلال الصيف.‏

ويشهد عشرات آلاف سكان الأهوار، عاجزين، على الموت التدريجي لمصدر ‏رزقهم المتمحور حول تربية الماشية والصيد وصيد الأسماك.‏

وتبقى في بعض أنحاء المستنقعات قنوات مائية قامت السلطات هذا العام بتعميقها ‏لكي يتسنّى للجواميس أن تنزل فيها، وهو ما دفع واثق عباس لأخذ 25 رأسا من ‏ماشيته إليها.‏

 

وينقل عباس منذ سنوات قطيعه إلى حيث تتوافر المياه بين الجبايش في محافظة ذي ‏قار ومحافظة ميسان المحاذية.‏

قبل بضعة أيام، قضى أحد الجواميس بعدما "تسمّم" بسبب شربه ماء مالحة وراكدة. ‏لم يكن أول ضحية في القطيع الذي يربّيه عباس والذي فقد العام الماضي سبعة ‏جواميس.‏

‏"صراع على المياه" ‏
وينجم الجفاف عن التغيّر المناخي الذي ينعكس تراجعا بنسبة المتساقطات وارتفاعا ‏بدرجات الحرارة يساهم في تفاقم تبخّر المياه.‏

كذلك تعاني الأهوار التي تتغذى بشكل أساسي من أنهار وروافد تنبع من تركيا ‏وإيران المجاورتين، بفعل سدود بنتها الدولتان على نهري دجلة والفرات.‏

وتحاول بغداد ترشيد استخدام المياه لتوفير ماء الشرب لـ46 مليون نسمة في البلد ‏وتغطية احتياجاتهم الزراعية.‏

 

ولا تصل المياه الى الأهوار إلا بعد أن تحصل كل المناطق الأخرى على ‏حصصها. ويتحدّث المدير التنفيذي لمنظمة "طبيعة العراق" جاسم الأسدي عن ‏‏"صراع على المياه داخل البلد ضمن المحافظات".‏

ويشير لوكالة "فرانس برس" الى "غياب العدالة في توزيع المياه" منذ عقدين في ‏العراق، منتقدا بعض الاستخدامات الزراعية وأسلوب إغراق الحقول بالمياه، وهي ‏طريقة ري تقليدية تُعتبر مرادفا للإهدار.‏

وكان الأسدي قبل نحو عقدَين، أحد الناشطين الذين حشدوا جهودهم لإعادة إحياء ‏‏5600 كيلومتر مربّع من الأهوار، وهي جزء من مساحة المناطق التي عمد نظام ‏صدام حسين الى تجفيفها في تسعينات القرن المنصرم لطرد متمرّدين شيعة لجأوا ‏إليها.‏

أمّا اليوم، فلا تتجاوز مساحة المناطق المغمورة الـ800 كيلومتر مربّع، وفق قوله، ‏ما يدفع السكان إلى ترك أراضيهم والرحيل.‏

ويضيف "سنخسر بذلك ثقافة سكان محليين جذورهم سومرية وآرامية وأكادية".‏

 

ويطال التهديد كذلك التنوّع البيولوجي وحيوانات مختلفة مثل السلاحف وثعالب ‏المياه ذات الفراء الناعم المعروفة باسم "ماكسويل" وعشرات أنواع الطيور ‏المهاجرة التي تقضي الشتاء في الأهوار.‏

ويقول الطبيب البيطري وسام الأسدي بأسف "كنّا نمتلك 48 نوعا من الأسماك، ‏اليوم تبقّى لدينا أربعة منها فقط"، مضيفا "كان عندنا سابقا 142 نوعا من الطيور ‏البرية، حاليا لم يعد هناك إلّا 22".‏

 

 

الجفاف يقضي على رؤوس الماشية في الأهوار العراقية (أ ف ب)‏

 

 

‏"خطر الانقراض" ‏
ويتعاون الأسدي مع منظمة "أغرونوم إيه فيتيرينير سان فرونتيير" ‏Agronomes ‎et Vétérinaires Sans Frontières‏  ("مهندسون زراعيون وأطباء بيطريون ‏بلا حدود") الفرنسية غير الحكومية، للاهتمام بالجواميس ومعالجتها في ظلّ ‏موجات الحر.‏

ففي الصيف، يحتاج الجاموس أن يبقى في المياه لمدة تزيد عن 14 ساعة وأن ‏يشرب عشرات لترات الماء.‏

 

غير أن "عدم تبدّل المياه بسبب قلة التدفق يسبّب زيادة في الملوحة والتلوث".‏

ويشير الأسدي إلى أن "صحة الحيوان تتأثر بكلّ ذلك، فالحيوانات التي كان وزنها ‏‏600 كيلوغرام مثلا أصبحت تَزن حاليا 300 أو 400 كيلوغرام فقط".‏

ويضيف "تضعف مناعتها وتزداد إصابتها بأمراض".‏

وحذّر برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في تقرير في تموز/يوليو، من "خطر ‏انقراض" الجواميس المائية في الأهوار الجنوبية العراقية في حال لم يتمّ "اتخاذ ‏تدابير عاجلة للحفاظ على هذا النوع".‏

ولفت إلى أن "أعداد الجواميس المائية انخفضت بسرعة بسبب ندرة المياه، من ‏‏309 آلاف رأس في العام 1974 (...) إلى 40 ألف رأس بحلول العام 2000".‏

 

ومن تداعيات ندرة المياه التي تحتاج اليها الجواميس بقوة، تراجع إنتاج حليب ‏الجواميس المستخدم في صناعة الجبن خصوصا قشطة القيمر السميكة التي غالبا ما ‏يتناولها العراقيون خلال وجبة الفطور، إلى الثلث.‏

قبل عامين، انتقل تويّه فرج (56 عاما) إلى قرية حسجة الصغيرة في محيط ‏الجبايش حيث منازل ذات جدران خرسانية، وأخرى مبنية من اللبن. توجد قربها ‏جواميس.‏

ويروي الأب لـ16 طفلا كيف نزح وعائلته طيلة ثلاثة عقود بحثا عن المياه "لكي ‏تعيش الماشية، لأنه إذا عاشت الماشية عِشنا، وإذا ماتت الماشية انتهينا".‏

ويوضح الرجل الذي لفّ وجهه بكوفية "ليس لدينا مصدر رزق آخر، لا راتب ولا ‏فرصة عمل ولا دعم من الدولة".‏

ويعتاش اليوم من 30 جاموسا مقابل 120 جاموسا كان يرعاها في بداية مسيرته، ‏وقد باع الرؤوس واحدا تلو الآخر لدفع ثمن علف الماشية المتبقية.‏

وورث فرج تربية الجواميس من والده وجدّه، لكنه قد يكون هو آخر من يقوم بهذا ‏العمل المتوارث، إذ يعمل اليوم ابنه البكر في شركة نفط صينية فيما يعمل ابن آخر ‏سائق حافلة صغيرة.‏

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق