نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
تسليم السلاح والتسليم باليد على امرأة - مصدرنا الإخبارى, اليوم الثلاثاء 26 أغسطس 2025 10:55 صباحاً
مصدرنا الإخبارى - ليس في العنوان ما هو لعب على الكلام، فالمسألتان المطروحتان لا تحتملان اللعب. الربط بين التسليمَين في العنوان هو للفت الانتباه بشكل صارخ، للترابط في العقيدة الدينية لحزب الله بين مكوّناتها الاجتماعية والسياسية، وعدم إمكانية فصل تسليم السلاح عن غيره من المكوّنات. وإن كان تسليم السلاح من عدمه فيه حياة او موت بالنسبة لحزب الله، فإن التسليم على امرأة من عدمه فيه ما يشبه الحياة أو الموت، إذ انه مع غيره من التقاليد، خيار بين نموذجين متناقضين من الحياة، واحد يمارسه أشرف الناس وآخر يمارسه مدنَّسون.
كاتب هذا النص يسلّم بخطورة التسليمَين بالنسبة لحزب الله،
ومصدر الخطورة، في الاساس، أن الإثنين محرّمان دينياً بحسب عقيدة الحزب.
فمعروف من جهة ان الحزب يحرّم دينياً تسليم رجل على امرأة، ومن جهة ثانية يؤكد الحزب يوماً بعد يوم أن حمله للسلاح حق إلهي ولا علاقة له بالحقوق التي ينص عليها الدستور أو القانون أو أي اتفاق بين البشر، اذ أن سلاحه المطلوب تسليمه ليس الّا "سلاح الله"، كما تردد على لسان قياداته ومؤيديه في الآونة الأخيرة.
تسليم السلاح اذاً هو خطيئة تماماً كما ان التسليم على المرأة خطيئة. ليس صدفةً ان هذه اليد التي تسلّم هي يد رجل في الحالتين، وتسليم السلاح كما التسليم على امرأة هو علامة ضعف عند الرجل في الحالتين أيضاً. ولا بد ان تجد الحركة النسائية في ذلك تجليات لعوارض متشابهة في دلالاتها في المجتمع الذكوري.
بالتوازي، ان التسليم على امرأة هو شأن اجتماعي فيما تسليم السلاح هو شأن سياسي، ولا فرق عند حزب ديني بين الاجتماعي والسياسي، فمن مهمة الدين عند حزب الله تنظيم الشأنين معاً في دولة دينية.
ذلك ان فصل الحزب عن سلاحه هو بمثابة فصل الدين عن الدولة، وهذا بالتحديد ما هو مرفوض بالمطلق. هكذا كانت الحال في الدويلة التي كان يحكمها حزب الله، وهكذا يجب أن تبقى في الدولة اذا تقرر الاستغناء عن الدويلة.
هذا الترابط بين الشأنين الاجتماعي والسياسي في المجتمع الذكوري- الديني، يجعلنا نتساءل ان كان يصبح من الأسهل على الرجل ان يسلّم على امرأة اذا قام بتسليم سلاحه، أو اذا كان يصبح من الأسهل عليه أن يسلّم سلاحه، اذا قام بالتسليم على امرأة؟
التسليمان يبدوان لي مترابطين وقد يحتاج تسليم السلاح الى جدول زمني يوازي في تعقيداته وفي مدته، جدولاً زمنياً يُقنع رجال حزب الله بالتسليم على امرأة.
ذلك ان حوار الحكومة مع "حزب الله" حول تسليم سلاحه، ليس حواراً بين دولة وحزب سياسي ينتمي إليها، بل بين دولة وحزب ديني يحكم دويلة. وليست المعضلة في كيفية إقناع حزب الله بالاندماج في الدولة، بل في كيفية اندماج الدويلة الدينية في الدولة الدستورية، دون تفكيك العناصر المترابطة للدويلة الدينية، بما فيها المصالح الاقتصادية- الاجتماعية التي نسجها الحزب لأكثر من أربعين عاماً، على اسس دينية أيضاً.
هذا ليس حواراً بين طرفين في إطار دولة مركزية، بل هو أقرب الى الحوار بين دويلة يُراد لها الانتقال من حالة تقسيمية أسست لها ورسّختها، الى حالة أخرى لا يمكن للدويلة ان تقبل بأن تكون أقل ما يشبه الحكم الذاتي في صيغة لامركزية.
في النزاعات بين الجماعات أو بين التنظيمات في دولة واحدة ديمقراطية، يتم اللجوء الى الحوار في مرحلة أولى ومن ثم يجري الاحتكام الى الديمقراطية، اي حسم الخلاف من خلال التصويت بالأكثرية. حزب الله، بحسب عقيدته، لا يعترف بالديمقراطية بل بنقيضها، أي بحق فرد واحد، وهو ولي الفقيه، ان يقرر عن الجميع. لذلك لا يلتزم حزب الله، لا بقرارات حكومية ولا بقرارات برلمانية، وهو يلجأ على الدوام الى استبدال الديمقراطية بالدعوة الى الحوار الوطني أمام كل استحقاق، بدل الخضوع للآليات الدستورية في اتخاذ القرارات. فهو يعلم أن الحوار، اذا لم يوضع في سياق آلية ديمقراطية، من الصعب ان يؤدي إلى اتفاق في القضايا الخلافية الجذرية.
وحتى يؤدي الى اتفاق، يفترض الحوار ان الطرفين ينطلقان من مبادىء وقواعد مشتركة، يحددها عادة الدستور او القانون الذي يجري الحوار في إطاره، في حين ان مبادىء وقواعد حزب الله يستقيها من عقيدة ولاية الفقيه الايراني، المناقضة لمبادىء وقواعد الدستور اللبناني وقوانينه.
ويزيد في الطين بلة، ان حزب الله لا يعترف بالمنطق السببي، الذي يساعد المتحاورين على الوصول الى فهم مشترك للمشكلات ولكيفية حلّها.
فإذا قلت لحزب الله، مثلاً، أن حرب الاسناد تسببت بحرب إسرائيل على لبنان، يأتيك الجواب، ان اسرائيل كانت ستضرب بجميع الأحوال. في منطقه لا سبب ولا نتيجة بل نتيجة مهما كان السبب. وعندما تعود وتقول له مثلاً ان حرب الاسناد اعطت الحجة لإسرائيل لتستخدم اقصى درجات العنف ضد لبنان لأنه جرى تهجير سكانها في الشمال، يأتيك الجواب ان إسرائيل لا تحتاج الى حجج لتمارس أشرس الهجمات. في منطقه ان ما حصل كان سيحصل في جميع الحالات ولا علاقة بين فعل ورد فعل.
اما الربط في الحوار بين ضرورة المحافظة على سلاح حزب الله ومقاومة اسرائيل، ففضلاً عن عجز هذا الحزب عن لعب دور المقاومة بعد انكساره العسكري، والدلالات اليومية لذلك هي في استمرار الاعتداءات الاسرائيلية دون أي رد من حزب الله، لا اعرف كيف يمكن الادعاء بهذا الربط، بعد اعتبار سلاح حزب الله سلاح الله، ما يفك تلقائياً ارتباطه بمقاومة إسرائيل، فهو سابق لها ولاحتلالها وباقٍ الى ما بعد زوالها، إن شاء الله.
البعض يسمّي ذلك فكرا غيبيا او غير علمي، لا يعترف بالوقائع ولا يستخدم المنطق العلمي في الاستنتاجات. ويميل البعض الآخر الى اعتباره من تجليات عصر "ما بعد الحقيقة"، التي يبرع فيها ترامب، والقائمة على تشويه الحقائق باستمرار.
عندما تكون الديمقراطية مرفوضة والحوار مستحيل، يصبح توقع الصدام العسكري امراً شديد الاحتمال.
0 تعليق