فشل النظام الصحي الأمريكي يجبر المرضى على السعي للعلاج في الدول الأخرى

فشل النظام الصحي الأمريكي يجبر المرضى على السعي للعلاج في الدول الأخرى

في ظل تصاعد تكاليف الرعاية الصحية في الولايات المتحدة، وتزايد أعباء الديون الطبية حتى على أولئك المشمولين بالتأمين، يتزايد عدد الأميركيين الذين يقررون مغادرة البلاد نهائيا، بحثا عن نظم صحية أكثر عدالة وإنسانية في دول أخرى.

وبينما يبقى هذا التوجه محدودا نسبيا من حيث العدد، إلا أنه يعكس ظاهرة عميقة الجذور تتصل بفقدان الثقة في النظام الصحي الأميركي، وانكشافه أمام أبسط الأزمات.

بحسب تقرير نشرته صحيفة “واشنطن بوست”، فإن حالات متزايدة لمواطنين أميركيين اضطروا إلى اتخاذ قرارات جذرية بعد أن عجزوا عن تحمّل تكاليف العلاج أو تأمين تغطية صحية مستمرة. بعضهم هاجر إلى دول توفر رعاية شاملة وممولة من الدولة، فيما استقر آخرون في بلدان ذات تكلفة علاج أقل بكثير مما هو سائد في الولايات المتحدة، حتى لمن لا يحمل تأمينا.

من بين هؤلاء جنيفر سونتاغ، وهي سيدة خمسينية تعمل في التعليم وريادة الأعمال، عانت لسنوات من مرض كرون، ثم تعرضت في عام 2019 لإصابة خطيرة في الرأس أثناء وجودها في الصين. وبعد خمسة أيام من العلاج في مستشفى شنغهاي بتكلفة 1300 دولار فقط، عادت إلى مدينة سانت لويس الأميركية لإجراء عملية جراحية طارئة في الدماغ، تكلفت لاحقا نحو 100 ألف دولار، رغم محاولاتها التفاوض على تخفيض السعر. ولأنها لم تكن تمتلك التأمين الكافي، وجدت نفسها في مواجهة دين طبي جديد يضاف إلى أعباء سابقة كانت قد دفعتها لإعلان إفلاسها قبل أعوام.

سونتاغ، التي كانت قد تزوجت سابقا فقط للحصول على التأمين الصحي، انتهى بها الأمر إلى مغادرة الولايات المتحدة نهائيا والاستقرار في مدينة باليرمو الإيطالية، حيث تعيش الآن على مقربة من البحر، وتعمل في مساعدة مواطنين أميركيين آخرين على الهجرة من خلال تسهيل إجراءات الإقامة أو طلب الجنسية عبر النَسَب. وتقول إن ثلاثة أرباع عملائها يذكرون النظام الصحي الأميركي كدافع رئيسي للهجرة.

التجربة ذاتها تتكرر بصور مختلفة. جايسون كيم، شاب يبلغ من العمر 25 عاما، نشأ في ولاية تكساس، لكنه انتقل إلى كوريا الجنوبية بعدما صُدم بتكاليف العلاج في بلده الأم. حين كان في التاسعة عشرة من عمره، استدعى سيارة إسعاف دون أن يعرف كلفتها، ليتلقى تشخيصا لحالة جلدية بسيطة، وينتهي به الأمر بفاتورة تقارب 50 ألف دولار. التجربة جعلته يتجنب الأطباء سنوات، إلى أن عاد إلى كوريا، حيث استطاع تلقي العلاج بتكاليف زهيدة، حتى قبل التحاقه الرسمي بالتأمين الصحي الوطني المدعوم. ورغم حنينه لبعض جوانب الحياة الأميركية، يرى أن الرعاية الصحية هناك “أشبه بالخديعة”، حيث تُضخّم الفواتير ثم تُخفض عند التفاوض، ما يترك انطباعا بانعدام الشفافية.

أما إيمي ويلارد، سيدة من كولورادو تبلغ من العمر 61 عاما، فقد نجت من ثلاث إصابات سرطانية بين عامي 2009 و2011، لكنها لم تنجُ من وطأة النظام الصحي. لسنوات طويلة، كانت تدير مشروعا بسيطا لتنظيف المنازل، ولم يتجاوز دخلها 40 ألف دولار سنويا، ما وضعها خارج نطاق الاستحقاق لبرامج الدعم، ودون قدرة على تحمّل أقساط التأمين الصحي الخاص.

بعد الجائحة، تدهورت أوضاعها المعيشية، وقررت مغادرة البلاد نحو فرنسا، حيث استقرت في بلدة صغيرة جنوب غرب باريس. هناك، تدفع 25 يورو فقط لكل زيارة طبية، وتغطي بوليصة تأمينها الأساسي تكاليف الطوارئ. في يونيو الماضي، نُقلت إلى المستشفى إثر إصابتها بورم في الجهاز الهضمي، واحتاجت إلى عمليات نقل دم وعلاج عاجل. لم تُطالب بأي مبلغ مالي، بل سُرّعت إجراءات إدراجها في النظام الصحي الوطني.

القصص الثلاث تعكس أزمة أعمق؛ إذ تفيد بيانات استقصائية بأن أكثر من 40% من الأميركيين يعانون من شكل من أشكال الدين الطبي، رغم أن 92% منهم كانوا مشمولين بالتأمين في عام 2023. ويفتقر النظام الصحي الأميركي إلى ما يُعرف بـ”حد الخسارة”، وهو السقف الذي يحمي المرضى من تراكم الديون بشكل لا نهائي. ويؤكد خبراء الصحة العامة أن العاملين لحسابهم الخاص، أو أصحاب الأمراض المزمنة، هم الأكثر تضررا، لا سيما في ظل ارتفاع التكاليف وغياب آليات الحماية الكافية.

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *