قمة ألاسكا: التوازن بين المظهر والجوهر

قمة ألاسكا: التوازن بين المظهر والجوهر

شكلاً، أي بروتوكولياً، حصل الرئيس فلاديمير بوتين من قمّة ألاسكا التي عقدها مع الرئيس دونالد ترامب على أكثر مما يريده ويطمح إليه. لكنّه لم يحصل في المضمون على الصفقة التي كان يحلم بها على الرغم من السجادة الحمراء التي فُرشت له على أرض قاعدة عسكريّة أميركية لا تبعد كثيراً عن الأرض الروسية.

 

تتمثّل الصفقة في اعتراف الولايات المتحدة بحقّ روسيا في ضمّ أراضٍ أوكرانيّة تريد ضمّها. قد يكون هناك  استعداد أميركي لقبول بمطالب روسيّة معيّنة، لكن ليس ثمة ما يشير إلى استعداد لقبول كل ما يطلبه بوتين الذي سيكون عليه تقديم تنازلات تخفّف من حجم مطالبه. هل هو مستعد لذلك أم يعتقد أنّ الوقت يعمل لمصلحته وأنّه يستطيع إقناع دونالد ترامب بوجهة نظره على غرار ما فعله مع باراك أوباما في مثل هذه الأيام من عام 2013؟

 

في صيف عام 2013، استخدم بشّار الأسد السلاح الكيميائي في حربه على الشعب السوري. حصل ذلك في منطقة غوطة دمشق بعيد إعلان أوباما أن لجوء بشّار إلى السلاح الكيميائي “خط أحمر”. تولى الرئيس الروسي مهمة إقناع أوباما بعدم مهاجمة مواقع عسكريّة في داخل سوريا بما يقضي على النظام العلوي فيها. ذهب بوتين إلى أبعد من ذلك في ضمان تخلّص النظام السوري من أسلحته الكيميائية. تولّى إنقاذ رأس بشّار الأسد في وقت كانت فيه مصلحة الرئيس أوباما تفادي أي إزعاج لإيران التي دخل معها في مفاوضات سرّية تتعلّق بملفها النووي.

 

لا يزال باكراً التكهن بموافقة أميركية على خرق روسيا بقوة السلاح الحدود الدولية لدولة أوروبيّة معترف بها من الأمم المتحدة وضمّ أراضٍ تابعة لهذه الدولة. في الواقع، لا تزال مبكرة إدارة واشنطن لظهرها كلّياً لأوروبا حيث رفض جماعي لفكرة “تغيير الحدود المعترف بها دولياً بالقوة”. وهذه عبارة وافق عليها جميع زعماء دول الاتحاد الأوروبي، إضافة إلى رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر، باستثناء اليميني المتطرف رئيس الوزراء الهنغاري فيكتور أوربان الذي وضعه الرئيس الروسي في جيبه منذ زمن طويل.

 

يصعب التكهن بما يمكن أن تؤدي إليه قمة ألاسكا باستثناء أن الجانب الروسي يتصرّف مع ترامب كما لو أن في الإمكان الاستفادة من نقاط ضعفه، عن طريق مهاجمة سلفه جو بايدن مثلاً، تماماً كما حصل مع أوباما قبل اثني عشر عاماً. الأهمّ من ذلك كلّه، أن الجانب الروسي يتصرّف كما لو أن روسيا الحالية هي الاتحاد السوفياتي الذي كانت أوكرانيا جزءاً منه حتّى عام 1992. لم يتردد وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف في ارتداء “تي. شيرت” عليها اسم الاتحاد السوفياتي (اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفياتية) لدى وصوله إلى ألاسكا. لا يزال يحلم بإعادة الحياة إلى هذا الوهم الكبير!

 

في النهاية، سيعتمد الكثير على ما إن كانت أوروبا قادرة على تأكيد أنّ في استطاعتها الدفاع عن مصالحها ومواجهة صفقة ملغومة، يبدو دونالد ترامب مستعدّاً لعقدها مع فلاديمير بوتين.

 

تبدو الكرة في الملعب الأوروبي، خصوصاً أن دول القارة العجوز تعرف تماماً أن روسيا ليست بالقوة التي يظنها دونالد ترامب من جهة وأنّّ من الخطورة بمكان الاستجابة لمطالبها في أوكرانيا من جهة أخرى. إلى أي حد تستطيع الدول الأوروبية التأثير في واشنطن بعدما احتضنت الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي الذي كان في البيت الأبيض قبل أيام قليلة؟

 

سيعتمد الكثير على مدى استعداد دونالد ترامب لمراعاة أوروبا وعدم السقوط في لعبة فلاديمير بوتين. الأكيد أنّ ثمة حاجة إلى سلام بين روسيا وأوكرانيا، لكنّ الأكيد أيضاً أن المطلوب تفادي تكبير حجم روسيا. روسيا ليست الاتحاد السوفياتي وروسيا لا تستطيع استعادة أمجاد الاتحاد السوفياتي. كل ما هو مطلوب من إدارة ترامب الاعتراف بالحاجة إلى تفاهم مع روسيا يطمئن أوكرانيا وأوروبا في آن واحد. مثل هذه الصفقة تعني، أول ما تعنيه، أنّ من الضرورة بمكان، أقله إن كان مطلوباً احترام القانون الدولي، رفض  مكافأة دولة شنّت حرباً غير مبررة على دولة أخرى…

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *