
استمهلت إسرائيل رسمياً الوسيطين المصري والقطري حتى الجمعة للرد على موافقة “حماس” على هدنة الشهرين، التي هي في الأصل اقتراح تقدم به المبعوث الأميركي الخاص ستيف ويتكوف الشهر الماضي، وطالبت الحركة بإدخال تعديلات عليه تتعلق بنقاط الانسحاب الإسرائيلي، مما حمل واشنطن على الانسحاب من جهود الوساطة.
في انتظار الرد الإسرائيلي، لا يظهر أن أميركا في عجلة من أمرها لاستئناف جهودها الديبلوماسية. وويتكوف يكرّس جلّ وقته للدفع بالتسوية الأوكرانية قدماً، بعد ترتيبه قمة آلاسكا بين الرئيس الأميركي دونالد ترامب والرئيس الروسي فلاديمير بوتين في 15 الشهر الجاري، وما تلاها من قمة بين ترامب والرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في البيت الأبيض الاثنين، بحضور زعماء أوروبيين متحالفين مع كييف.
انشغال واشنطن بتسوية في أوكرانيا، لم يؤثر على جهودها في لبنان، حيث زار المبعوث الأميركي إلى بلاد الشام توم برّاك برفقة المبعوثة السابقة واللاحقة مورغان أورتاغوس بيروت في 18 من الجاري، على أن يزورا إسرائيل لاحقاً لمتابعة النقاش في “الورقة الأميركية” بشأن حصرية السلاح في يد الدولة اللبنانية.
وقبل زيارة إسرائيل، رعى برّاك اجتماعاً في باريس ليل الثلاثاء بين وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني ووزير الشؤون الاستراتيجية الإسرائيلي رون ديرمر، تناول اتفاق وقف النار في السويداء ووسائل خفض التصعيد في الجنوب السوري. وقبل إقفال هذه الفقرة، يجدر التذكير بأن سوريا، هي من بين الدول التي تتواصل معها إسرائيل في شأن استقبال نازحين من قطاع غزة.
الحراك الأميركي على المسارين اللبناني والسوري، يقابله شبه سبات في الجهود الأميركية المتعلقة بترتيب حل ديبلوماسي في غزة. وهذا ما يتيح لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ممارسة أقصى الضغط العسكري، الذي يترجم ميدانياً في التقدم نحو مدينة غزة. وقد فرّ آلاف النازحين من الأحياء الشرقية للمدينة في الأيام الأخيرة بفعل القصف الإسرائيلي جواً وبراً.
وعلى صعيد متصل، أقر وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس خطة السيطرة على مدينة غزة، وأمر باستدعاء 60 ألف جندي احتياط للمشاركة في العملية. ومن المتوقع استدعاء ما يصل إلى 260 ألف جندي احتياط عند توسيع العملية لتشمل التقدم نحو مخيمات وسط القطاع وجنوبه في مرحلة لاحقة.
يحدث ذلك، على رغم تصاعد مشاعر الاستياء في أوساط جنود الاحتياط الذين صاروا على اقتناع بأن إطالة أمد الحرب تخدم أهدافاً سياسية أكثر منها عسكرية، بعد الضربات الساحقة التي تلقتها “حماس” مدى 22 شهراً من الحرب. وأظهر استطلاع أجرته الجامعة العبرية أن نسبة 47 في المئة من جنود الاحتياط، يكنّون مشاعر سلبية إزاء الحكومة وطريقة تعاملها مع الحرب والمفاوضات الجارية لإطلاق الأسرى.
وفي آذار/مارس، قبل الإعلان عن استئناف العمليات العسكرية، أفاد موقع “واي نت” الإسرائيلي، بأن أعداد جنود الاحتياط، الذين لبوا نداء العودة إلى الخدمة، كان أقل بنسبة 30 في المئة من المتوقع. ولم تكن الحال كذلك، عند بداية الحرب عقب هجمات “حماس” في تشرين الأول/ أكتوبر 2023، إذ استدعدت إسرائيل 360 ألف جندي احتياط.
هذا دليل على التغير الحاصل في المزاج الإسرائيلي، لا يعكس تصلب نتنياهو الذي يطور أهداف الحرب باستمرار، ويعد الإسرائيليين بالعيش “على حد السيف” من الآن فصاعداً، رابطاً وجود إسرائيل بقدرتها على خوض الحروب الأبدية.
غياب ويتكوف عن المشهد الديبلوماسي في المنطقة، يمكّن إسرائيل من الدفع نحو “تغيير الواقع الأمني” على أرض غزة، وفق رئيس أركانها إيال زامير. وهذه ورقة أخرى من أوراق الضغط لحمل “حماس” على القبول بما لا تزال ترفضه حتى الآن، على غرار ما حصل مع اقتراح المبعوث الأميركي.