
بعيداً حتى عن مضامين أي اتفاق قد تنتهي به «العملية العسكرية الخاصة» التي تخوضها روسيا في أوكرانيا منذ فبراير/ شبط 2022، فإن مؤشرات كثيرة من الحراك المتواصل لوقفها تقول إن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين حقق ما يمكن اعتباره انتصاراً مبدئياً.
المتوقفون عند هذه المؤشرات يستندون ابتداء إلى قدرة روسيا على تجاوز كل إجراءات العقاب والمحاصرة التي لجأت إليها الولايات المتحدة منذ بدء الأزمة في أوكرانيا، بتشجيع وترحيب من الحلفاء الأوروبيين، لحمل موسكو على التراجع عن عمليتها العسكرية. ولم تكتف الولايات المتحدة بهذه الإجراءات، بل قدمت، في عهد الرئيس السابق جو بايدن، دعماً مالياً وعسكرياً لأوكرانيا ودول جارة لها في محاولة لإخضاع بوتين الذي تخطى كل ذلك ومضى في ما اعتبره دفاعاً عن بلاده في وجه تهديدات تمس وجودها.
تغير الموقف الأمريكي بمجيء الرئيس دونالد ترامب، بما في ذلك موقفه السلبي من الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، بل الهجوم عليه مرات، إحداها وأشهرها حين استقبله في البيت الأبيض، وتقليصه الدعم العسكري وإلحاحه في الوصول إلى حل للأزمة. وجاءت قمة ألاسكا بين ترامب وبوتين لتضيف رمزياتها إلى مؤشرات انتصاره بعد الحفاوة التي لقيه بها مضيفه، والاحترام الأمريكي لرجل اضطرت واشنطن لأن تبدأ سعيها الحثيث لإنهاء الأزمة باستضافته والاستماع إليه، والبناء على الاتفاق معه في أي مناقشات تالية مع الرئيس الأوكراني والزعماء الأوروبيين.
بعد رسم واشنطن وموسكو الخطوط العريضة لاتفاق منشود في أوكرانيا، ذهب زيلينسكي بلا بدلة عسكرية هذه المرة بعد أن أغضبت ترامب خلال لقائهما الشهير في البيت الأبيض في فبراير/ شباط الماضي. وحتى إذا لم يتم التخلي عن الزي العسكري موحياً بالاستعداد لنهاية الصراع في أوكرانيا، فإنه تودد للرئيس الأمريكي الذي يملك اليد الطولى في هذا الملف وسيحسمه بالاتفاق مع نظيره القوي فلاديمير بوتين. حتى زعماء ألمانيا وبريطانيا وفرنسا وإيطاليا وفنلندا والاتحاد الأوروبي الذين رافقوا زيلينسكي في رحلته إلى الولايات المتحدة، توددوا إلى الرئيس الأمريكي وشكروا جهوده لإنهاء ملف أوكرانيا بعدما ناشدوا سلفه جو بايدن وشجعوه طويلاً لكسر شوكة روسيا والقضاء على مخاوفهم من تمددها.
ولم يغب الرئيس الروسي عن اجتماع ترامب بزيلينسكي والمسؤولين الأوروبيين، إذ قطع اجتماعه بهم ليتصل ببوتين حسبما قالت تقارير إعلامية لنحو 40 دقيقة. وقال ترامب أيضاً إنه اتصل بنظيره الروسي بعد الاجتماع، وبدأ الحديث عن ترتيب لقاء يجمعه بزيلينسكي، ثم يكون ثلاثياً بحضوره، فيما أكدت موسكو عدم ممانعتها ترقية مستوى التفاوض الروسي الأوكراني، ولم تغفل الإشادة بجهود الرئيس الأمريكي.
في الخلاصة، اضطرت الولايات المتحدة إلى حوار مباشر مع بوتين بعد أن استهدفت في مستهل الأزمة حصاره والمقربين منه، حتى من رجال الأعمال، دولياً، وإضعاف الاقتصاد الروسي، ويبدو أن انتصاره المبدئي سيكتمل إلى حد كبير ببنود الاتفاق المنتظر.
[email protected]