ترامب... قراءة في ظاهرة سياسية أعادت تشكيل العالم - مصدرنا الإخبارى

النشرة (لبنان) 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
ترامب... قراءة في ظاهرة سياسية أعادت تشكيل العالم - مصدرنا الإخبارى, اليوم الجمعة 22 أغسطس 2025 04:15 صباحاً

مصدرنا الإخبارى - في منتصف تموز/يوليو الماضي أثارت الجدل صورة للرئيس الأميركي دونالد ترامب جالساً إلى مكتبه في البيت البيضوي وخمسة رؤساء أفارقة متحلقين حوله. اعتُبرت الصورة في حينها إهانة لإفريقيا ولأصول الممارسة الديبلوماسية واستعراضاً للقوة بلا ضرورة، بينما اعتبر آخرون أن الصورة تعكس شخصية الرئيس ترامب الذي يؤمن بالقوة ويؤكد في كل مناسبة أنه سياسي غير تقليدي.

 

تكرر الأمر مطلع الأسبوع الجاري عندما أظهرت الصور الرئيس الأميركي في مكتبه بينما القادة الأوروبيون الكبار متحلقون أمامه على كراسي صغيرة كمجرد تلاميذ مستمعين، على عكس الأجواء الاحتفالية التي ميّزت قمة ألاسكا التي جمعته مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. كل هذه الأحداث وغيرها تظهر أهمية قراءة شخصية تحاول إعادة تشكيل العالم. 

في كتابها "Une première histoire du trumpisme" "تاريخ أولي للترامبية" ، تقدم الباحثة والمؤرخة المتخصصة في السياسة الأميركية مايا كاندل Maya Kandel تحليلاً عميقاً ومتعدد البعد للظاهرة الترامبية، باعتبارها أكثر من مجرد حركة سياسية مرتبطة بشخص دونالد ترامب، بل بوصفها تحولاً جذرياً في النظم السياسية والاجتماعية والثقافية الأميركية والعالمية.

يتناول الكتاب، الصادر عن دار "غاليمار" نهاية أيار/مايو الماضي، صعود ترامب منذ بداياته في المشهد السياسي حتى إعادة انتخابه عام 2024، مبرزاً كيف استطاع هذا الرجل، الذي كان يوماً نجماً في تلفزيون الواقع، أن يعيد صوغ الحزب الجمهوري، ويهزّ أسس الديموقراطية الليبرالية، ويؤثر في المنظومة العالمية.

تبدأ كاندل بسرد السياق الشخصي والسياسي لدونالد ترامب، مشيرة إلى أن شخصيته الفريدة، التي تجمع بين النرجسية والمهارة في التلاعب بالإعلام، هي حجر الأساس في بناء "الترامبية". ترامب ليس مفكراً أو أيديولوجياً، بل مؤد بارع، عرف كيف يبتكر سرديات تحاكي انفعالات الجمهور، متجاوزاً الحقائق لصالح روايات بديلة، ساهمت في تشكيل واقع موازٍ يسيطر عليه الخطاب العاطفي.

توضح المؤلفة كيف أعاد ترامب تعريف الحزب الجمهوري، محولاً إياه من حزب نخبوي محافظ إلى منصة شعبوية يمينية راديكالية. أصبح الجمهوريون هم حزب الثورة على المؤسسات، بينما تموضع الديموقراطيون حماة للنظام القائم. هذه المفارقة التاريخية تُبرز انقلاب الأدوار داخل الساحة السياسية الأميركية.

واحدة من أهم أفكار الكتاب هي تقديم "الترامبية" ظاهرة تتماهى مع عصر "ما بعد الحقيقة". لم يعد الخطاب السياسي قائماً على الحقائق القابلة للقياس، بل على القصص المقنعة والانفعالات. وهذه القدرة على فرض سرديات تتفوق على الواقع هي ما مكّن ترامب من تجاوز المحن، كجائحة كوفيد-19، أو القضايا القضائية، وتحويلها إلى أدوات لتغذية الشعور بالاضطهاد لدى أنصاره.

على عكس الانطباع الأولي بأن الترامبية تستند فقط إلى القومية البيضاء والمحافظة المسيحية، يشير الكتاب إلى أن قاعدة ترامب الانتخابية قد أصبحت أكثر تنوعاً في انتخابات 2024، بحيث صوّت له عدد متزايد من الناخبين من الأقليات العرقية والطبقات الفقيرة، بل إن جزءاً كبيراً من القاعدة الانتخابية التي كانت تصوت تقليدياً للديموقراطيين والأفكار اليسارية بصفة عامة، انزاحت بنسبة كبيرة إلى ترامب، ما يؤشر إلى أن خطابه الشعبوي تجاوز المحددات التقليدية للانقسام السياسي الأميركي، وأعاد رسم الخريطة الانتخابية بناءً على الثقافة والتعليم وليس العرق أو الدين فقط.

يركز الكتاب على التحالف المتنامي بين الترامبية وعالم التكنولوجيا الجديد، مشيراً إلى تحوّل شخصيات مثل إيلون ماسك وبيتر ثيل إلى داعمين صريحين قبل أن تنقلب العلاقة مع ماسك على الأقل وتتحول من خصومة بخصوص تحديد الأولويات إلى قطيعة سياسية. في الوقت نفسه، حددت الترامبية أعداءها بوضوح: الإعلام التقليدي، الجامعات، المؤسسات الدولية، والعلماء، في إطار حرب ثقافية شاملة تهدف إلى استبدال النخبة القديمة بنخبة جديدة أكثر راديكالية. وهذه المنظومة من الأعداء، لا تخص ترامب والترامبية فقط، بل هي مرمى سهام كل التيارات اليمينية والشعبوية حول العالم من الهند إلى الأرجنتين مروراً بإسرائيل رومانيا وبولندا وإيطاليا وفرنسا. 

مايا كاندل توضح ذلك من خلال تأكيدها أن الترامبية ليست ظاهرة أميركية فقط، بل امتداد لحراك عالمي، يتمثل في صعود اليمين الشعبوي والرجعي في أوروبا والعالم. لقد أعطى ترامب الشرعية السياسية لما كان يعتبر سابقاً هامشاً متطرفاً، وفتح الباب أمام قادة مشابهين، يتقاطعون في خطابهم المعادي للنخب، المناهض للمهاجرين، المشكك في المؤسسات الدولية.

يمتاز الكتاب بتحليل علمي موثق، يعتمد على بيانات وسياقات تاريخية، من دون السقوط في التبسيط أو الخطاب الأخلاقي. لكنه يحمل أيضاً نبرة تحذيرية واضحة: إن الترامبية تمثل تحولاً عميقاً في الديموقراطية الغربية، وإذا لم يتم مواجهتها بوعي وتحليل ومقاومة فكرية، فإنها قد تصبح النموذج السياسي الجديد الذي يهيمن على القرن الحادي والعشرين.

باختصار، "Une première histoire du trumpisme" ليس مجرد كتاب عن ترامب، بل دراسة معمقة عن التحولات العنيفة في السياسة الأميركية والعالمية، ومحاولة لفهم كيف وصلنا إلى هذا المنعطف، والأهم: إلى أين نحن ذاهبون؟

 

 

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق