نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
قانون الحشد الشّعبي: خطّ أحمر في العلاقات الأميركيّة – العراقيّة - مصدرنا الإخبارى, اليوم الجمعة 22 أغسطس 2025 06:23 صباحاً
مصدرنا الإخبارى - كلاوديا غرويلينغ*
تتجه بغداد نحو التصويت على مسودة قانون السلطة الذي من شأنه أن يشرعن قوات الحشد الشعبي، البالغ عدد مقاتليها 238 ألفاً، كفرع دائم من مؤسسات الدولة العراقية. وسيمنح إقرار التشريع هذه القوات هيكلاً رسمياً وميزانية مخصصة. ويحظى مشروع القانون بدعم رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، لكنه يثير قلقاً في واشنطن، حيث يحذر المشرعون الأميركيون من أنه سيرسخ النفوذ الإيراني في النظام السياسي العراقي.
وأوضحت إدارة ترامب موقفها الجلي: إذا جرى دمج الحشد الشعبي رسمياً، فإن واشنطن سترد بعواقب ديبلوماسية. ففي 22 تموز/يوليو، حذر وزير الخارجية ماركو روبيو رئيس الوزراء العراقي من أن التشريع يهدد بترسيخ النفوذ الإيراني داخل الدولة العراقية، وبالتالي تقويض السيادة الوطنية. كما أفادت تقارير بأن الرسالة اللاحقة المرسلة إلى السوداني أكدت أن القانون قد يؤدي إلى فرض عقوبات على قطاع الطاقة في العراق ويغيّر بصورة جذرية العلاقة الأميركية-العراقية.
وجدد السفير ستيفن فاغن، القائم بالأعمال الأميركي في بغداد، هذه المخاوف في شهري يوليو وآب/أغسطس أمام قادة سياسيين عراقيين بارزين، مؤكّداً أن قانون الحشد الشعبي سيقوّي الجماعات المسلحة المصنفة إرهابية ويرسّخ النفوذ الإيراني. ومنذ ذلك الحين، وصف مسؤول في وزارة الخارجية الأميركية المقترح بأنه "غير مفيد للغاية". وبالمثل، يرى محللون في واشنطن أن تقنين الحشد الشعبي في قانون سيجعل من شبه المستحيل حله أو إصلاحه في المستقبل. كما انتقل الجدل إلى الكونغرس، حيث يحظى انتقاد القانون بإجماع واسع بين الحزبين؛ إذ يخشى المشرّعون الأميركيون على اختلاف توجهاتهم من انزلاق العراق بالكامل إلى فلك إيران.
يتعارض القانون الجديد مباشرة مع الموقف الأميركي الثابت تجاه هذه القضية. فبينما قد تكون الولايات المتحدة قد غضّت الطرف عن أنشطة الحشد الشعبي خلال حملة مكافحة تنظيم "داعش" ابتداءً من عام 2014، إلا أنها سعت منذ ذلك الحين إلى الحد من نشاطه داخل القطاع الأمني الرسمي. وتحوّلت علاقة واشنطن بالحشد الشعبي بصورة حادة من التسامح إلى المعارضة بعد الهزيمة الميدانية لـ"داعش" في العراق في 2017، حين فقد الهدف المشترك الذي جمع الطرفين. وعندما ضغطت الولايات المتحدة على بغداد لكبح الحشد الشعبي في 2018، شدّد الأخير قبضته على السلطة بدلاً من ذلك. وكان عام 2020 نقطة الانفصال الحاسمة؛ فعندما قتلت الولايات المتحدة قاسم سليماني وأبا مهدي المهندس في بغداد، ترسخت قناعة واشنطن بأن الحشد الشعبي مجرد وكيل لإيران.
وترى واشنطن أن دمج الحشد الشعبي يشكل تهديداً مباشراً لاستثماراتها في العراق. فقد قدمت الولايات المتحدة نحو 13,8 مليار دولار من التمويل بين عامي 2015 و2023 للقوات الأمنية العراقية؛ وينظر إلى دعم الحشد الشعبي مؤسسياً على نطاق واسع، باعتباره تحدياً مباشراً للأهداف الأمنية للدولة العراقية. كما يفرض التشريع تداعيات كبيرة على القوات الأميركية في العراق. ففي وجود نحو 2500 جندي أميركي منتشرين في مهمة "التدريب والدعم"، قد يثير تقنين الحشد الشعبي مخاوف أمنية على الأفراد الأميركيين، ويعقّد علاقة واشنطن بوزارة الدفاع العراقية.
ولا يمكن فصل الجدل حول قانون الحشد الشعبي عن الصراع الأوسع بين الولايات المتحدة وإيران في عموم الشرق الأوسط. في المناقشات الجارية بشأن احتمال نزع سلاح "حزب الله"، تعكس قناعة إدارة ترامب الجوهرية بأن المؤسسات الرسمية لا يمكن أن تعمل بفاعلية في ظل وجود بنى ميليشياوية راسخة. وفي لحظة تضعف فيها وكلاء إيران نسبياً، يشكل هذا التطور تهديداً كبيراً؛ إذ يمنح طهران موطئ قدم مؤسسياً داخل العراق، فيما يتراجع نفوذها في المنطقة.
وتعتبر واشنطن أن قانون الحشد الشعبي خط أحمر. بالنسبة إلى المسؤولين الأميركيين، فإن إقراره سيجسّد تكريس النفوذ الإيراني داخل الدولة العراقية. ومن وجهة نظرهم، فإن هذه الخطوة ستقوّض سيادة العراق، وتقيّد إمكانات الإصلاح، وتضعف العلاقات الأميركية – العراقية. بالنسبة إلى واشنطن، لا يعدّ قانون الحشد الشعبي مجرد تشريع، بل معركة ضد النفوذ الإيراني.
*باحثة مساعدة في برنامج "منافسة القوى العظمى" التابع لمعهد واشنطن
0 تعليق