احتلال في زمن المجاعة... والعالم يتفرّج! - مصدرنا الإخبارى

النشرة (لبنان) 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
احتلال في زمن المجاعة... والعالم يتفرّج! - مصدرنا الإخبارى, اليوم الاثنين 25 أغسطس 2025 06:13 صباحاً

مصدرنا الإخبارى - العالم في اختبار مروّع: إنها المجاعة "رسمياً" في غزّة، بإقرار من الأمم المتحدة. الأولى في الشرق الأوسط في القرن الحادي والعشرين. السابقة كانت إبان الحرب العالمية الأولى، قبل قرنٍ ونيّف. المجاعة الراهنة صناعة إسرائيلية: حصار مطبق ودمار شامل وحرب مستمرة منذ نحو عامين، ولما تقترب بعد من نهايتها. هي تنفيذ لقرارات اتخذتها حكومة إسرائيل وأيّد أعضاؤها بالإجماع "تجويع الغزّيين للضغط على حماس"، وكانت الخلافات تنشب في ما بينهم علناً متى اقترح أحدهم "تخفيف الحصار" ولو لمخاتلة الضغوط الدولية. وبالنسبة إليهم كان التجويع من أسلحة الحرب، وكان "نجاحه" عنصراً أساسياً في فاعلية الإبادة الجماعية والتطهير العرقي والتهجير القسري. وفي الشهور الأخيرة، مع انكشاف كل هذه الجرائم وتصاعد الاستنكار العالمي، لم يعد لديهم أيّ اعتبار لأيّ جهة دولية حليفة أو صديقة ما لم تقدّم، مثل دونالد ترامب وإدارته، ومثل الحكومة الألمانية، دعماً مطلقاً للحرب، كما يخوضونها، بلا قوانين ولا ضوابط ولا أخلاقيات.


منذ شهور طويلة أصبح سوء التغذية أمراً شائعاً في القطاع، ونبّهت تقارير منظمة الصحة العالمية ووكالة "الأونروا" مراراً إلى استشراء الأمراض الناجمة عنه، بالتزامن مع التدمير المتعمّد للنظام الصحّي ووجود عشرات آلاف الحالات التي تتطلّب إجلاءً للعلاج في الخارج. وعندما ظهرت مؤشرات المجاعة دقّت منظمات الإغاثة نواقيس الخطر، لكن "لجنة التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي" تأخّرت شهوراً عدة قبل أن تقرّر أخيراً أن كل معايير المجاعة قد تجمّعت، ولم تأخذ في الاعتبار أن النقص الحاد في الغذاء والمواد الأساسية، خصوصاً حليب الأطفال، كان يقتل ببطء وبصمت زارعاً أمراضاً شتى لن تُشفى أو تزول حتى لو توفّر الطعام بكميات كافية وبانتظام، لكنه لن يتوفّر. ومع أن إسرائيل خادعت بأنها خفّفت قيودها نسبياً، إلا أن إحصائية أممية أفادت أخيراً بأن 2187 شاحنة مساعدات دخلت القطاع خلال 25 يوماً، فيما الكمية المطلوبة - والمتوفّرة - لسدّ الحاجات كانت تتطلّب 15 ألف شاحنة. 

"فشلٌ للإنسانية"... هكذا وصفت الأمم المتحدة المجاعة في غزّة، وقال توم فليتشر (المسؤول الأممي عن الشؤون الإنسانية) إنها "مجاعة أُحدثت بالقسوة وبُررت بالانتقام ومُكّنت باللامبالاة واستمرّت بالتواطؤ"، لافتاً الى أنها "تحصل تحت رقابة المسيّرات والتكنولوجيا العسكرية الأكثر تقدماً في التاريخ، وكان يمكن تفاديها لولا العرقلة الإسرائيلية لدخول الأغذية المكدّسة على بعد مئات الأمتار من الحدود". أما بنيامين نتنياهو فواصل أطول مسلسل لأكاذيبه اليومية معتبراً تقرير الأمم المتحدة "كذباً محضاً"، وقال: "إسرائيل لا تنتهج سياسة التجويع، بل تنتهج سياسة منع التجويع". لكن أنطونيو غوتيريش شدّد على أن "إسرائيل بوصفها القوة المحتلة عليها التزامات، بموجب القانون الدولي، بضمان الإمدادات الغذائية والطبية"، وقال: "لا يمكن أن نسمح باستمرار هذا الوضع من دون عقاب"... صحيح أن القانون الدولي يمكن أن يعاقب إسرائيل على "جريمة استخدام التجويع كسلاح حربي"، إلا أن هذا القانون يحتاج إلى تفعيلٍ يبدو مستحيلاً ما دامت الولايات المتحدة تحصّن إسرائيل بـ"الفيتو" الدائم وتشنّ حملة عقوبات ممنهجة ضد قضاة المحكمة الجنائية الدولية.

حتى المجاعة لم تمنع قادة إسرائيل من إصدار الأوامر لاحتلال مدينة غزة ومخيمات وسط القطاع، فهذه من المناطق التي لم يُقتلع سكانها، وقال وزير الحرب يسرائيل كاتس: "سنجعلها مثل رفح وبيت حانون"، أي "أرضاً يباباً" خاوية من أي مظاهر للحياة. وبدلاً من الغذاء والدواء اللذين يمنعونهما، تعهّد قادة إسرائيل بتوفير خيام للنازحين الجدد. جاءت التحذيرات لإسرائيل من كل الأنحاء بأن استكمال احتلال القطاع يتسبب بـ"كارثة إنسانية"، لكن هذه الكارثة هي بالضبط ما تريده إسرائيل. ولم يكن صعباً عليها أن تُفشل للمرّة الألف مفاوضات الهدنة وتبادل الأسرى، فإذا عُرضت عليها "صفقة شاملة" طلبت "صفقة جزئية" ثم العكس بالعكس، وقيل إن موافقة "حماس" على المقترح الأخير "أحرجتها" لكنها زاوجت بين مواصلة التفاوض وبين مباشرة عملية احتلال مدينة غزّة. عائلات العسكريين الرهائن الباقين أحياءً أصبحت متيقّنة الآن بأن حكومة نتنياهو قرّرت تصفية أبنائها.


في ذروة العجز العربي والدولي يسود الجنون الأميركي- الإسرائيلي. ترامب يضغط للحصول على "نوبل السلام" ويفاوض السماء على "دخول الجنّة" من بوابة أوكرانيا، ونتنياهو يتسلّح بـ"تكليف إلهي" للتمدّد في المنطقة وإقامة "إسرائيل الكبرى"، وبتسلئيل سموتريتش يخصّب "صهيونيته الدينية" بمشروع استيطاني طرحه تحت شعار "الموت للعرب" معلناً أن هدفه "دفن الدولة الفلسطينية"... أما الدول الغربية التي تسارع اليوم للاعتراف بـ"دولة فلسطين" فقد غضّت النظر طوال عقود عن كل الجرائم الإسرائيلية، من الاحتلال إلى الاستيطان، ومن إجهاض كل عمليات السلام إلى الإبادة الجماعية غزّة، إلى محاولة تهجير الغزّيين إلى دولة جنوب السودان التي تعاني أيضاً من خطر مجاعة كامن.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق