القيصر والرئيس - مصدرنا الإخبارى

النشرة (لبنان) 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
القيصر والرئيس - مصدرنا الإخبارى, اليوم الثلاثاء 26 أغسطس 2025 05:15 صباحاً

مصدرنا الإخبارى - توجه العالم إلى قمة ألاسكا، الأسبوع الماضي، التي عقدت بين الرئيسين الأميركي والروسي. اختلفت النتائج عن التوقعات؛ التوقعات قبل القمة هي الوصول إلى اتفاق على وقف إطلاق النار، إلا أن النتيجة كانت تفوقاً للقيصر على الرئيس الأميركي بالنقاط، فقد تم إقناعه بأهمية الوصول إلى اتفاق شامل، يحقق أهداف روسيا.

إذا قرأنا لغة الجسد، فإن الرئيس الأميركي هو الذي يبدأ بمدّ يده للمصافحة عند اللقاء الأول، وفي اللقاءات المختلفة اللاحقة. واختفت التهديدات التي أطلقها ترامب قبل الاجتماع، وخلاصتها: إن لم يحصل اتفاق فسوف ترفع درجات المقاطعة على روسيا. الواقع أن روسيا خرجت من دون أيّ مقاطعة.

قرأ الرئيس الروسي سيكولوجية الرئيس الأميركي بشكل دقيق. الأخير يحتاج الكثير من الإرضاء النفسي، وأهمه ورقة من اللجنة النرويجية لجائزة نوبل، وهذه الجائزة أعطيت إلى الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما في فترة قصيرة من بدء حكمه. ومنذ ذلك الوقت أصبحت هاجساً للرئيس دونالد ترامب. زيلينسكي في اللعبة أيضاً؛ قدّم لترامب رسالة شكر من زوجته للسيدة الأولى. هي محاولة أخرى "للاسترضاء"!

يعرف القيصر تلك الخاصية في الرئيس، ولكنه يتقدم خطوة ويتأخر خطوة، بطريقة تكتيكية لحرمان دونالد ترامب من الحصول على تلك الورقة (جائزة السلام) قبل أن يأخذ معظم إن لم يكن كلّ ما يريد، وما أمام الرئيس الأميركي إلا مسايرة قيصر روسيا، الذي شنّف أذنه في المؤتمر الصحافي، حيث قال "لو كان ترامب في السلطة لما قامت الحرب"! إنها حرب جو بايدن! تلك موسيقى في أذن الرئيس المحبّ للمديح، وقد أصبح هذا "الشغف بالمديح" معروفاً للكافة؛ وعلى هذا الأساس يتصرف السياسيون مع الرئيس! حتى نتنياهو قدّم له رسالة ترشيح لجائزة نوبل من الحكومة الإسرائيلية!

في هذا العام 2025 يكون السيد بوتين قد قضى كرئيس للاتحاد الروسي ربع قرن، إمّا كرئيس أو كرئيس وزراء. في البداية، كان الدستور الروسي ينصّ على أن فترة حكم الرئيس مرتين لأربع سنوات، فعدّلت لأن تكون لست سنوات، ثم عدّل الدستور في 2020 كي يسمح لبوتين بتصفير ولاياته السابقة، ويبدأ من جديد. ومن المحتمل أن يبقى القيصر في مكانه إلى عام  2036 إذا لم تغير نصوص الدستور. والاحتمال، إن كان بصحة جيدة، أنها سوف تتجدّد! ترامب له ثلاث سنوات باقية، وقد تعطل أدواته بعد الانتخابات النصفية للكونغرس منتصف 2026.

هنا الفرق في الاحتفاظ بالسلطة بين قيصر موسكو الدائم، ورئيس واشنطن الموقت نسبياً، هو الذي يعطي القيصر النفس الطويل.

بوتين يعرف هذه الحقيقة ويساير الرئيس ترامب، ويحقق أهدافه جزئياً، وإن حصل على ما يريد (جزء من أراضي أوكرانيا) فسوف تكون سابقة تاريخية منذ الحرب الثانية، و خبر سيّئ للعرف والقانون الدولي وفق ما استقر لعقود، وخبر مدمّر لأوروبا.

حصيلة اللقاء في ألاسكا هي لصالح موسكو، فقد عاد بوتين إلى بلاده وهو بعيد عن أية عقوبات مع اعتراف به من خلال استقباله على الأرض الأميركية، وهي الدولة الكبرى في هذا العالم.

أما السيد ترامب فقد عاد مع اختلاف في إدارته، واختلاف أيضاً بين حلفائه الأوروبيين، وامتعاض شديد لدى الإدارة الأوكرانية والشعب الأوكراني.

سياسة الصفقات هذه قصيرة النفس، وقد تكون مفيدة في العقود التي لها علاقة بالعقارات، ولكنها لا تصلح في السياسة؛ السياسة لها أدوات أخرى بعيداً عن التهديد وحافة الهاوية، أو الاستفادة المادية أو حتى "الاسترضاء"!

هذا الأمر سوف يخسر السيد ترامب الكثير من قواعده في الولايات المتحدة، وسيبعث الشكوك أيضاً في قدراته السياسية لدى حلفائه الأوروبيين، بجانب العديد من الخطوات التي اتخذها، ليس تجاه روسيا ولكن أيضاً تجاه عدد من الدول التي وسع فيها مساحة العداء، وقلل فيها مساحة الصداقة، وبدأت أقلام نافذة أميركية تتحدث عن "نهاية العصر الأميركي"!

 

عادة... الجمهور العام مع الغالب، والغالب في هذه المرحلة هو قيصر روسيا، الذي عاد إلى عاصمة بلاده وهو فخور بما أنجز؛ ففي الاجتماع الذي عقده مع خاصته قال ذلك بوضوح، لقد كان نصراً ديبلوماسياً غير مسبوق لروسيا.

الساحة الغربية تفتقد اليوم القامات الكبيرة في السياسة. يفتقد تشرشل في إنكلترا، وشارل ديغول وحتى ميتران في فرنسا، وتفتقد السيدة ميركل في ألمانيا. معظم متخذي القرارات السياسية في الجانب الغربي هم أضعف، وفي بلدانهم مشكلات. يتسابقون وراء أصوات الناخبين، وأصوات الناخبين في الغالب ليست بالضرورة أنها على حق، كما يتسابقون لإرضاء الساكن في البيت الأبيض متقلب المزاج!

إنه عالم متحول، والقوة والمناورة السياسية هي التي تفرض النتيجة النهائية.

 

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق