من المقابر الجماعية إلى "غرف العظام"... 25 شخصاً فقط قادرون على أن يعيدوا لسوريا أسماءها المنسية - مصدرنا الإخبارى

النشرة (لبنان) 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
من المقابر الجماعية إلى "غرف العظام"... 25 شخصاً فقط قادرون على أن يعيدوا لسوريا أسماءها المنسية - مصدرنا الإخبارى, اليوم الاثنين 25 أغسطس 2025 06:43 صباحاً

مصدرنا الإخبارى - بعد سنوات من الصمت والخوف، بدأت الحقيقة تتسلل. منذ سقوط نظام الرئيس السابق بشار الأسد في كانون الأول/ديسمبر، بدأت المقابر الجماعية والجماجم ذات الثقوب تحكي قصص الذين اختفوا. عائلات هرعت تحفر بأيديها، تبحث عن أثر. وفي قلب هذه الفوضى، بدأ السوريون يواجهون وجهاً لوجه رعباً دُفن لسنوات ووجعاً لم ينتهِ بعد. في بلد مثقل بالحزن، تبحث آلاف العائلات عن أثر، عن اسم...

 

ووسط هذه الفوضى عقب سقوط النظام، تقول صحيفة "التايمز" البريطانية في تحقيق لها من دمشق إن 25 طبيب أسنان يقودون مهمة إنسانية شاقة تتمثل في التعرّف إلى ضحايا المقابر الجماعية. وبين العظام والجماجم، يحاولون إعادة الأسماء والكرامة لمجهولين ااختفوا في عهد الرعب.

 

في أحد الأقبية بدمشق، يعمل 3 أطبّاء أسنان، الدكتور أنس الحوراني والدكتور أحمد نعيم والدكتور عامر السراجيبي، بصمت وألم، في ما يُسمّى "غرف العظام"، محاولين إعادة الأسماء والقصص لمن اختفوا في الظلام. بين الجماجم والعظام، يسعون إلى منح العائلات إجابة، وكرامة أخيرة لضحايا لم يُودَّعوا يوماً.

 

هؤلاء الأطبّاء، الذين يكسبون 30 دولاراً في الشهر من عملهم في مركز تحديد الهوية التابع لوزارة الصحة السورية، ويعملون أيضاً في عيادات أسنان خاصة بهم، مكلفون بتحديد هوية واحدة من أكبر مجموعات المفقودين في العصر الحديث.

 

على طاولتين طويلتين في غرفة من هذه الغرف، توجد صفوف من عظام الساق والفخذ، كل منها مرقمة بعناية. في الغرفة المجاورة توجد سلسلة من الخزائن. يفتح الدكتور أنس الحوراني إحداها ليكشف عن أرفف مليئة بالجماجم، معظمها بها ثقوب في مؤخر الرأس من الرصاص، التي قال عنها إنها "إعدامات من مسافة قريبة". 

 

ويقول زميله الدكتور أحمد نعيم، وهو يحمل إحدى عظام الساق ويفحص أطرافها للتأكد من التحامها ومعرفة ما إن كانت تعود لطفل: "العظام تحكي لنا قصة شخص". يقيسها ويستعين بكتاب في علم الطب الشرعي لتحديد العمر والطول والجنس.

 

وبغضّ النظر عن التشريح، فإن القصص مروّعة. هذه العظام تعود إلى بعض من عشرات الآلاف من المتظاهرين والنشطاء الذين اعتقلهم جهاز الأمن التابع لبشار الأسد وعذبهم وألقى بهم في مقابر جماعية منذ بداية الثورة في آذار/مارس 2011 حتى الإطاحة به في كانون الأول الماضي.

في غرفة أخرى، توجد كومة من الملابس المحترقة وهيكل عظمي أعيد تجميعه من 50 كيساً بلاستيكياً مليئاً بالعظام المختلطة التي جلبتها أخيراً منظمة الخوذ البيضاء السورية. عُثر على الرفات في قبو مبنى مهجور بالقرب من حاجز سبينة، جنوب دمشق، حيث كانت قوات النظام تعتقل الناس بشكل روتيني وتقتلهم وتحرق جثثهم.

 

وقال نعيم: "كأننا نعيش الرعب من جديد كل يوم. بينما يحتفل بقية السوريين بالتحرير، ما زلنا في خضم الحرب، ونعيش يومياً ذكريات تلك السنوات الـ14 الشريرة".

 

وثقت الشبكة السورية لحقوق الإنسان أكثر من 155 ألف مفقود، لكن وفقاً لما أفاد مدير مكتب سوريا في اللجنة الدولية لشؤون المفقودين مازن البلخي لـ"التايمز"، قد يصل العدد الإجمالي إلى 700 ألف. وأشار البلخي إلى أن التعامل مع هذا الأمر قد يستغرق عقوداً لأن سوريا لا تملك القدرة أو الخبراء الجنائيين.

وفي ضوء ما كُشف أخيراً عن المقابر الجماعية وضحايا النظام السابق وعمليات التعذيب والقتل، يُطرح السؤال التالي: هل هناك محاولات قانونية لمحاسبة الأسد أمام محاكم دولية؟

يقول الباحث في المركز العربي للأبحاث في واشنطن الدكتور رضوان زيادة، لـ"النهار"، إن هذا خيار قائم ولكن سوريا ليست طرفاً في محكمة الجنايات الدولية.

 

ويضيف زيادة: "ربما تنضم لكن هذا يحتاج إلى دعم سياسي قويّ... وبالتالي يمكن محكمة الجنايات أن تفتح تحقيقاً في الجرائم المرتكبة في سوريا".

 

ويتابع: "برأيي يبدو خياراً ضعيفاً الآن لأنه ليس هناك دعم سياسي لهذه الخطوة من الحكومة الحالية... لكن لا يزال ممكناً".

 

أفراد من الدفاع المدني السوري (الخوذ البيضاء) ينقلون أكياس جثث تحتوي على رفات بشرية تم انتشالها من مقبرة جماعية في دمشق (ارشيفية - بي بي سي)

أفراد من الدفاع المدني السوري (الخوذ البيضاء) ينقلون أكياس جثث تحتوي على رفات بشرية تم انتشالها من مقبرة جماعية في دمشق (ارشيفية - بي بي سي)

 

 

ومع عدم توفر تحليل الحمض النووي في سوريا (لا يوجد سوى مختبر صغير واحد والمواد الكيميائية اللازمة غير مسموح بدخولها بسبب العقوبات)، فإن سجلات الأسنان هي الطريقة الرئيسية للتعرّف إلى الأشخاص. 

 

في سوريا بأكملها، لا يوجد سوى 25 طبيب أسنان شرعياً، بمن فيهم هؤلاء الثلاثة. يعملون عن طريق أخذ القياسات ثم الرجوع إلى الكتب والموارد على الإنترنت، وهي عملية بطيئة ومضنية.

مصير المفقودين هو إحدى أولويات الإدارة الجديدة للرئيس السوري أحمد الشرع، الذي أنشأ في أيار/مايو لجنة وطنية للمفقودين وأخرى للعدالة الانتقالية. حتى الآن، تم تحديد 78 مقبرة جماعية، بعضها يحتوي على خنادق يصل طولها إلى 300 قدم وعمقها 13 قدماً، مملوءة بالجثث. حتى إن هناك مقابر جماعية في دمشق.

 

وقال الدكتور عامر السراجيبي: "المشكلة هي أنه بعد سنوات من الصمت، لم يبلّغ العديد من الأقارب عن المفقودين خوفاً من اعتقالهم أيضاً، والناس لا يريدون الانتظار، عندما تحررت سوريا، اعتقد الجميع أنهم سيستعيدون أفراد أسرهم".

 

في غضون ساعات من سقوط الأسد، فُتحت السجون، بما في ذلك سجن صيدنايا، الأكثر شهرة، الذي وصفته منظمة العفو الدولية بأنه "مسلخ للبشر". وكان في ثلاجته 36 جثة حديثة. وبعدما بثت قناة "الجزيرة" بثاً مباشراً من مقبرة جماعية، هرعت مئات العائلات إلى هناك وبدأت بحفر الأرض بأظافرها.

 

اللجنة الدولية للصليب الأحمر أرسلت خبراء من بيرو والأرجنتين والبوسنة، التي عانت أيضاً من اختفاء أعداد كبيرة من الأشخاص، للمساعدة في تقديم المشورة بشأن الأساليب وكيفية التعامل مع الأسر المصابة بصدمة نفسية، لكن الأطباء قالوا إن لا أحد يفكر في صدمتهم النفسية التي يواجهونها بسبب ذلك. وشرح نعيم: "نحن تحت ضغط نفسي هائل. الأسر بحاجة إلى معرفة ما حدث، ونحن نعمل ليل نهار، لكن الأمر سيستغرق عقوداً، ومن الصعب تحمّل رؤية مثل هذه الفظائع عن قرب".

 

بدوره، أكد السراجيبي أن "مواجهة واقع آلة الموت التي أنشأها الأسد عن قرب كل يوم أمر مدمّر".

 

في سوريا ما بعد الأسد، لا تزال الحقيقة تُنتشل من تحت التراب. طريق العدالة طويل، لكن كل عظمة تُحدَّد هويتها تُعيد إنساناً من طيّ النسيان. يسابق الأطباء الزمن لكشف مصير المفقودين. في وطن مُثخن بالمقابر، تبقى الحقيقة والكرامة آخر ما يمكن إنقاذه من ركام الموت.