كيف بدأت "إسرائيل" تقسيم سوريا؟ - مصدرنا الإخبارى

منوعات 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
كيف بدأت "إسرائيل" تقسيم سوريا؟ - مصدرنا الإخبارى, اليوم الأحد 24 أغسطس 2025 04:59 مساءً

مصدرنا الإخبارى - جو 24 :

 

في أجواء الجنوب السوري المشحونة بشكل متزايد منذ سقوط نظام الأسد، تحولت محافظة السويداء إلى مسرح امتزجت فيه أصوات الطائرات الإسرائيلية بدويّ الاشتباكات بين الفصائل المحلية الدرزية والقوات الحكومية السورية. هذا التداخل بين الصراع المحلي وأجندات الاحتلال الإسرائيلي جعل من المحافظة نقطة ارتكاز في معادلة أمنية وسياسية جديدة، تعيد رسم ملامح الجنوب السوري.

لفهم هذا الواقع، يجب العودة قليلاً إلى الوراء؛ فقد حافظت السويداء طيلة سنوات الثورة السورية على الحياد حتى 17 آب/ أغسطس 2023، حين اندلعت احتجاجات شعبية على تردي الوضع الاقتصادي. ومع تصاعد هذه المظاهرات، خرجت شعارات تطالب بإسقاط بشار الأسد. وبعد سقوط النظام، أصبحت المحافظة في قلب تحدٍّ كبير للحكم الجديد في دمشق، بين رؤية الدولة المركزية التي تحاول الحكومة فرضها، وطموحات الحكم الذاتي الذي تسعى إليه فصائل محلية درزية، وهي الطموحات التي وجدت فيها "إسرائيل" فرصة ذهبية لتحقيق هدفها الذي أعلنه مسؤولون إسرائيليون، بتقسيم سوريا.

شرارة الأزمة

لسنوات، عانت محافظة السويداء من عدم الاستقرار، وانتشرت فيها عمليات الخطف مقابل الفدية، وتجارة المخدرات. وكانت الشرارة المباشرة للاشتباكات الدامية في تموز/ يوليو 2025، حادثة اختطاف شاب على طريق السويداء -دمشق في اليوم 11 من ذلك الشهر، حيث اتهمت المجموعات المحلية عشائر البدو بالمسؤولية. وردَّت هذه المجموعات باختطاف 9 من أبناء العشائر، فقامت الأخيرة باختطاف 4 أشخاص. وسرعان ما تحولت الحوادث إلى مواجهات مسلحة مفتوحة، أسفرت عن سقوط 37 قتيلاً من الجانبين، خلال 13 و14 تموز.

دفعت أعمال العنف الحكومة السورية إلى التدخل في 15 تموز لفض النزاع، إلا أن التدخل تحول إلى مواجهة مباشرة مع فصائل محلية مقربة من الشيخ حكمت الهجري، التي نصبت الكمائن وهاجمت قوات فض النزاع. ورغم أن دخول القوات جاء باتفاق مع مشيخة العقل الدرزية، فإن الفصائل المسلحة رفضت التدخل الحكومي واعتبرته غزواً. وبعد وقت قصير من إعلان الاتفاق من قبل الشيخ يوسف جربوع، أصدر الشيخ حكمت الهجري بياناً يرفض فيه الاتفاق ويدعو إلى حماية دولية.

 

تجدر الإشارة إلى وجود ثلاث مشايخ عقل في السويداء: حكمت الهجري، وحمود الحناوي، ويوسف جربوع، وقد شهدت الهيئة الروحية انقساماً يعكس الخلافات السياسية، خاصة بشأن العلاقة مع السلطة المركزية والتدخل الخارجي، إذ عارض الحناوي وجربوع دعوات الهجري لإشراك "إسرائيل" في الأزمة.

اقرؤوا المزيد: "فلسطين الكبرى".. عن استحالة التسوية

لم تستمر سيطرة القوات الحكومية طويلاً، فبضغط دولي وتصعيد إسرائيلي، انسحبت في 17 تموز، بعد أن قصفت "إسرائيل" مبنى الأركان والقصر الرئاسي في دمشق، مما أعاق استمرار تقدم القوات التي تموضعت على أطراف المدينة من جهة الشرق.

وبالتزامن مع الاشتباكات الدامية، خرج العشرات من دروز الأراضي المحتلة في مظاهرات أشعلوا خلالها الإطارات وأغلقوا الطرق، مطالبين بتدخل جيش الاحتلال. في حين ادعى جيش الاحتلال أن عشرات الدروز حاولوا العبور إلى السويداء عبر الشريط الحدودي، وتحديداً من مجدل شمس المقابلة لبلدة حضر السورية، لكن جيش الاحتلال أعادهم، إلا أنه لا يوجد ما يثبت ذلك. وقبل رجوعهم، حاولوا إرسال شحنة أسلحة إلى الفصائل المسلحة في السويداء، إلا أن العملية فشلت بسبب التشديد الأمني ومصادرة الأسلحة لاحقاً.

 

الفراغ الأمني وتصاعد العنف

لم يكد الانسحاب الحكومي يكتمل حتى ترك فراغاً أمنياً كبيراً استغلته ميليشيات مرتبطة بالشيخ حكمت الهجري، إذ شنت هذه الميليشيات عمليات دهم واعتقال بحق مدنيين من عشائر البدو، وأعدمت العشرات ميدانياً، مع تمثيل بالجثث. حتى الأطفال والنساء لم يسلموا من القتل.

يقول علي الشناعة (27 عاماً)، أحد أبناء العشائر: "لقد عشنا في السويداء أكثر من عشرين سنة، لم نتوقع أن نصل إلى هذا اليوم. قامت الفصائل التابعة للمجلس العسكري1 بسرقة سياراتنا، واقتادونا كرهائن وهددونا بالقتل، لا نريد العودة لذلك المكان مهما حصل".

بينما تقول ليلى عزام (26 عاماً)، الناشطة الدرزية: "حين دخلت قوات الأمن، ظننا أن سلطة الهجري انتهت، لكن الوضع ساء مع ظهور عناصر مجهولة، ربما من عشائر أو تابعة للمرسومي الموالي لإيران، ارتكبت انتهاكات من حرق وسرقة وقتل، واستُغل الأمر لتصفية حسابات شخصية".

وتتابع: "من جهة أخرى، قامت فصائل الهجري بتصفية المعارضين حتى من الدروز، وأحرقت بيوت المؤيدين للحكومة. انتشار مقاطع الانتهاكات دفع البعض لدعم الهجري، فتفاقم العنف. نحاول الآن التعافي، لكن يبدو أن الهجري وحلفاءه لا يريدون حلاً سلمياً، وهم على تنسيق مع الاحتلال الإسرائيلي منذ بداية الأزمة".

 )

ردت المجموعات العشائرية على هذه الانتهاكات بسرعة، ففي 18 تموز وصلت تعزيزات عشائرية من محافظات سورية أخرى، فاتَّسعت دائرة المواجهة وامتدَّت الاشتباكات لتشمل أرياف السويداء، مخلفة خسائر بشرية في الطرفين. وفي ظل غياب تام لأي وجود حكومي، ومع تقدم مقاتلي العشائر في العديد من المحاور، طلب الهجري من الحكومة السورية التدخل لوقف القتال، وجرت مفاوضات في الأردن بين سوريا و"إسرائيل" نتج عنها وقف إطلاق نار برعاية أمريكية.

التدخل الإسرائيلي

خلال هذه الأحداث، كان التدخل الإسرائيلي هو الأعنف ضد الحكومة السورية الجديدة. ففي 16 تموز، نفذ جيش الاحتلال عدة غارات بطائرات مسيرة استهدفت عناصر حكومية وآليات تابعة لوزارتي الداخلية والدفاع في مدينة السويداء ومحيطها، ما أسفر عن أكثر من 150 قتيلاً وجريحاً.

اقرؤوا المزيد: هل تنجح "إسرائيل" في تغيير وجه المنطقة؟

كما طالت الغارات مواقع عسكرية في ريفَي درعا ودمشق، كان أبرزها استهداف مبنى قيادة الأركان في العاصمة بأربع غارات، أدت إلى مقتل ثلاثة مدنيين وإصابة العشرات. وفي أثناء الاشتباكات الداخلية، غابت الغارات الإسرائيلية، ما يشير إلى أن تدخُّل تل أبيب لم يكن بدافع حماية الدروز، بل بهدف إعادة فرض معادلة الردع في الجنوب السوري.

ولفهم حجم التدخل الإسرائيلي، يجب النظر إلى ما هو أعمق من الخطاب الرسمي. فبينما قدمت تل أبيب تدخلها على أنه استجابة إنسانية لمناشدات من المكون الدرزي داخل "إسرائيل" لحماية أبناء طائفتهم في سوريا، تشير كل المعطيات على الأرض إلى أن الهدف الحقيقي لم يكن حماية الدروز، بل إعادة فرض معادلة الردع الإسرائيلي في الجنوب السوري. إذ تنظر "إسرائيل" بريبة إلى أي تحرك عسكري سوري منظم، حتى لو كان من قبل الحكومة.

 

لذا، فإن الغارات الكبيرة التي استهدفت مواقع في السويداء ودرعا ودمشق، بما فيها منشآت حساسة كمبنى هيئة الأركان، كانت رسالة ردع استباقية عنيفة، تؤكد للحكم الجديد في سوريا أن أي وجود عسكري في الجنوب السوري هو من الخطوط الحمراء الإسرائيلية.

ولم يقتصر التدخل الإسرائيلي على الجانب العسكري، فبعد أحداث جرمانا وصحنايا التي وقعت نهاية شهر نيسان/ أبريل وبداية شهر أيار/ مايو من العام الحالي، هبطت طائرات مروحية إسرائيلية في ريف السويداء، وكانت على متنها معدات ومساعدات طبية، ونقلت جرحى إلى مشافي صفد. وفي أثناء اشتباكات تموز، أوصلت مروحيات الاحتلال مساعدات غذائية وطبية بقيمة 595 ألف دولار، بعد تنسيق آلية التسليم مع واشنطن، التي أبلغت دمشق بالخطوة، حيث رُصِدَت مروحيات الاحتلال أكثر من أربع مرات في السويداء، في حين منعت فصائل الهجري دخول قوافل مساعدات الحكومة السورية والهلال الأحمر، في ما يُمكن أن يُفهم أنه محاولةٌ لتكريس التبعية لـ"إسرائيل" مصدراً وحيداً للمساعدات.

إسرائيل في قلب الفتنة، باكراً

لم يكن دخول "إسرائيل" في اشتباكات تموز مفاجئاً أو خطوة أولى من نوعها، فمنذ سقوط نظام الأسد بدأت "إسرائيل" التوغل في جنوب سوريا واحتلَّت مناطق جديدة في القنيطرة وفي ريف دمشق الجنوبي ودرعا، وبالتزامن مع ذلك بدأت "إسرائيل" محاولاتها لإظهار نفسها وصيّاً على الدروز في سوريا.

 

ففي 9 آذار/ مارس أعلن وزير الجيش الإسرائيلي يسرائيل كاتس أن حكومة الاحتلال ستسمح لعمال دروز من سوريا بالعمل في مستوطنات هضبة الجولان المحتلة. وقام العديد من دروز السويداء وجبل الشيخ بتسجيل أسمائهم في هذا المشروع، قبل أن يُلغى في اللحظة الأخيرة بعد اعتراض أحد أطراف المؤسسة الأمنية الإسرائيلية عليه.

وشهد آذار أيضاً خطوة هي الأولى من نوعها منذ نصف قرن، عندما سمحت "إسرائيل" لوفد من "شيوخ" الطائفة الدرزية ضم نحو 60 شخصية بعبور خط الهدنة، والتوجه لزيارة مقام النبي شعيب، ثم لقاء الزعيم الروحي للطائفة الدرزية في فلسطين المحتلة عام 1948 الشيخ موفق طريف.

وعزَّزت "إسرائيل" مبادرتها هذه بأخرى أكبر، في أواخر شهر نيسان/ أبريل 2024، إذ سمحت لوفد ضم أكثر من 700 شخصية بعبور خط الهدنة، والإقامة لليلة واحدة في الأراضي المحتلة، للمشاركة في الاحتفال الديني السنوي المعروف بـ"عيد الدرزيين".

هذه السياسات أدت إلى تحول صادم في المشهد داخل السويداء، فبعد أن كان الأهالي يسارعون لحرق علم إسرائيلي رُفع في السويداء قبل أشهر، أصبح العلم ذاته يُرفع على سيارات بعض الفصائل المحلية، وخرجت مظاهرات تهتف لـ "إسرائيل" وتطلب منها الحماية، في مؤشر خطير على حجم التغلغل الذي أحدثه هذا التدخل متعدد الأوجه.

الشيخ موفق طريف ودوره السياسي

تاريخياً، اقتصرت علاقة الشيخ موفق طريف، الرئيس الروحي لدروز "إسرائيل"، بملف دروز سوريا ولبنان على الجانب الديني والاجتماعي. لكن بعد سقوط النظام، أصبح لاعباً سياسياً محورياً وقناة رئيسية بين المجتمع الدرزي في السويداء والحكومة الإسرائيلية، خاصة عبر ابنه أمير الطريف، الذي ينسق مع الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية من غرفة عمليات في قرية جولس في الجليل المحتل.

 ولا يقتصر دعم طريف لجزء من الدروز في السويداء على الجانب العسكري، بل يشمل مشروع الحكم الذاتي لفريق الهجري، الذي يتضمن "ممراً آمناً" مع "إسرائيل". ورغم تسويقه كمشروع إنساني وتجاري، يراه منتقدون وسيلة لفصل السويداء سياسياً عن دمشق، وخلق تبعية أمنية واقتصادية للخارج.

لم يكن التدخل الإسرائيلي ردة فعل، بل جزءاً من استراتيجية لإبقاء الجنوب السوري ضعيفاً ومنهكاً، وبصورة أوسع، لتحقيق الهدف الكبير بتقسيم الأرض السورية. فتسعى "إسرائيل" جاهدة ليكون لها "رجل" في سوريا، تصبح له الكلمة العليا، ويضمن رضوخ السوري لها. واليوم، تقف السويداء أمام مفترق طرق، بين استمرار الفوضى الداخلية وخطط التدويل والوصاية، في حين يظل مستقبلها معلقاً بقدرة أهلها على تجاوز الانقسامات والبقاء سداً منيعاً أمام التوسع الإسرائيلي نحو سوريا.

metras -آلاء الحجي

 

قدمنا لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى هذا المقال : كيف بدأت "إسرائيل" تقسيم سوريا؟ - مصدرنا الإخبارى, اليوم الأحد 24 أغسطس 2025 04:59 مساءً

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق