نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
وزير خارجية هولندا.. صوت العدالة في زمن الانكسار #عاجل - مصدرنا الإخبارى, اليوم الأحد 24 أغسطس 2025 08:40 صباحاً
كتب أ.د. محمد تركي بني سلامة
في لحظة فارقة من التاريخ السياسي الأوروبي، قدّم وزير الخارجية الهولندي كاسبار فلدكامب استقالته بعدما فشل مجلس الوزراء في التوافق على فرض عقوبات ضد إسرائيل بسبب عدوانها المستمر على غزة. استقالة الوزير لم تكن مجرد خطوة إدارية عابرة، بل صرخة ضمير مدوّية في وجه عالم يتواطأ مع القتلة، ويغض الطرف عن الإبادة الجماعية التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني منذ ما يقارب العامين.
ولم يتوقف الأمر عند الوزير فلدكامب، بل التحق به ثمانية وزراء آخرين من حزبه "العقد الاجتماعي الجديد" في موقف غير مسبوق في السياسة الأوروبية الحديثة. استقالة جماعية بهذا الحجم تعني أن هناك من لا يقبل أن يكون جزءاً من مؤامرة الصمت، وأن هناك مسؤولين يفضلون خسارة مواقعهم الوزارية على خسارة إنسانيتهم وكرامتهم. هذا المشهد يعيد الاعتبار لمفهوم "المسؤولية الأخلاقية" الذي غاب عن سلوك معظم السياسيين في العالمين الغربي والعربي على حد سواء.
فلدكامب، الذي عمل لسنوات سفيراً لدى إسرائيل، لم يكن غريباً عن دهاليز السياسة الإسرائيلية أو عن طبيعة الاحتلال القمعية. ومع ذلك، فإن تجربته العميقة لم تدفعه نحو التماهي مع جرائم الاحتلال، بل على العكس، جعلته أكثر إدراكاً لخطورة ما يجري في غزة. لقد أعلن بصراحة أنه لم يعد قادراً على اتخاذ "إجراءات ذات مغزى" داخل حكومة مقيدة بالتحالفات والمصالح، ففضّل الانسحاب بشجاعة وترك موقعه مرفوع الرأس.
في المقابل، تخرج أصوات أوروبية أخرى، وخاصة في العواصم الكبرى، محملة بالنفاق الصارخ. فبينما يدّعي هؤلاء الدفاع عن حقوق الإنسان والحرية، يواصلون دعم الاحتلال بالسلاح والمال، ويبررون جرائمه على المنابر الدولية. ازدواجية المعايير هذه لم تعد خافية على الشعوب التي باتت ترى بأم أعينها كيف تتحول القيم الغربية إلى شعارات انتقائية تستخدم فقط حين تخدم المصالح الاستراتيجية.
لكن الموقف الهولندي أثبت أن الضمير لم يُدفن بالكامل، وأن هناك من يجرؤ على قول "لا" للظلم. استقالة تسعة وزراء معاً، بينهم وزير الخارجية، هي درس أخلاقي للعالم كله، ورسالة واضحة بأن السياسة ليست مجرد لعبة مصالح، بل مسؤولية أمام التاريخ والإنسانية.
أما في عالمنا العربي، فإن المقارنة مؤلمة حد الفجيعة. فبينما استقال تسعة وزراء في هولندا رفضاً للتواطؤ، لم نشهد استقالة مسؤول عربي واحد تضامناً مع غزة أو احتجاجاً على جرائم الاحتلال. على العكس، رأينا بعض العواصم العربية تسابق الزمن لتعزيز علاقاتها الاقتصادية مع إسرائيل بعد السابع من أكتوبر، وكأن دماء الفلسطينيين مجرد تفصيل لا قيمة له. أي خيانة أفظع من هذه؟ أي عار سيلاحق هؤلاء أكثر من أن تُسجل أسماؤهم في قائمة المتواطئين مع الإبادة الجماعية؟
لقد أثبتت أحداث غزة أن كثيراً من الحكومات العربية والإسلامية ليست سوى أدوات في يد الغرب، تلهث وراء مصالح ضيقة وصفقات مشبوهة، بينما تدير ظهرها لصرخات الأطفال ودموع الأمهات. هؤلاء لا يمثلون شعوبهم التي ما زالت تنبض قلوبها بحب فلسطين، بل يمثلون مصالحهم الضيقة ومقاعدهم المتهالكة.
اليوم تؤكد تقارير الأمم المتحدة أن غزة على حافة المجاعة، وأن الموت جوعاً يهدد مئات الآلاف. إنها ليست كارثة طبيعية، بل مجزرة ممنهجة تُدار بدم بارد أمام أعين العالم. إن سقوط غزة – لا قدّر الله – لن يكون سقوطاً للفلسطينيين وحدهم، بل سقوطاً للإنسانية كلها، وانهياراً أخلاقياً لن يغفره التاريخ. سيكون عاراً يلاحق الغرب الذي باع قيمه، والعرب الذين خانوا أشقاءهم، والمسلمين الذين تخلوا عن واجبهم.
غزة اليوم ليست مجرد مدينة محاصرة، بل رمز عالمي للحرية والمقاومة. من يقف معها يكتب اسمه في سجل الخلود، ومن يتخلى عنها يسقط في هاوية العار الأبدي. فالخيانة لا تسقط بالتقادم، والعار لا يُمحى بالاتفاقيات الاقتصادية أو الكلمات المعسولة.
التحية كل التحية لوزير الخارجية الهولندي وزملائه الثمانية الذين اختاروا أن يسجلوا أسماءهم في قائمة الشرف، وأن يثبتوا أن السياسة يمكن أن تكون أخلاقاً قبل أن تكون حسابات. وكم نتمنى أن نرى يوماً مسؤولاً عربياً واحداً يملك شجاعة الاستقالة تضامناً مع غزة، أسوة بهؤلاء الذين رفعوا اسم هولندا عالياً في سجل المواقف الإنسانية. وحتى ذلك الحين، ستظل غزة جرس الإنذار الأخير للإنسانية جمعاء، وامتحاناً قاسياً للضمير العالمي.
قدمنا لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى هذا المقال : وزير خارجية هولندا.. صوت العدالة في زمن الانكسار #عاجل - مصدرنا الإخبارى, اليوم الأحد 24 أغسطس 2025 08:40 صباحاً
0 تعليق